صلى الله عليه وسلم بالغابة بمجمع السيول فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هناك قال أنس: إنِّي لواقف انظر إليهم (فقطع) النبي صلى الله عليه وسلم أي أمر بقطع (أيديهم وأرجلهم) على الخلاف أي قطعوا أيدي اليمنى وأرجل اليسرى لحد المحاربة وللقصاص (وسمل) النبي صلى الله عليه وسلم (أعينهم) هكذا هو في معظم النسخ سمل من باب قتل كما في المصباح أي أمر بفقء حدقتها قال الخطابي: السمل فقء العين (أي شدخ حدقتها) بأي شيء كان قال أبو ذؤيب الهذلي:
والعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عور تدمع
كذا في معالم السنن وفتح الباري وقال ابن الأثير في جامع الأصول:[٣/ ٤٩١] سملت عينه إذا فقئت بحديدة محماة وفي بعضها سمر ومعنى سمر كحلها بمسامير محمية ليذهب بصرها وقيل: سمل وسمر بمعنى واحد أي فقأ وأذهب ما فيها. أي أمر بسملها (وتركهم) أي أمر بتركهم (في الحرة حتى ماتوا) والحرة أرض ذات حجار سود معروفة بالمدينة وإنما ألقوا فيها لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا كذا في فتح الباري وإنما تركهم حتى ماتوا لأنهم استحقوا عقوبة الإعدام بجنايتين الحرابة والارتداد عن الإسلام. فأما قطع الأيدي والأرجل فكان حدًّا للمحاربة أو قصاصًا لما فعلوه بيسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما سمل الأعين فالجمهور على أنه كان قصاصًا واستدلوا به على وجوب المماثلة في قصاص كل جناية والحنفية على أنه لا وقود إلا بالسيف فيحملون حديث الباب على التعزير والسياسة أو على أنه منسوخ بأحاديث النهي عن المثلة ويدل على النسخ ما ذكره الترمذي في جامعه عن ابن سيرين أنه قال إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا قبل أن تنزل الحدود وربما يعترض بعض ملاحدة عصرنا على هذه القصة بأن العقوبة التي عاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم قاسية جدًّا ولكنك رأيت أن ما فعله العرنيون أقسى منه بكثير وأبعد عن المروءة والإنسانية فإنهم لم يرتدوا عن الإسلام فحسب وإنما جازوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على مننهم الجسيمة مجازاة لا تتصور من إنسان يحمل قدرًا أدنى من المروءة والإنسانية إنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالة الجوع والهزال والمرض والسقام فآواهم النبي صلى الله عليه وسلم وأطعمهم ثم منَّ عليهم بإرسالهم إلى إبل الصدقة وأباح لهم ألبان لقاحه وهيأ لهم كل ما يحتاجون إليه من غذاء صحي وهواء لطيف ودواء مفيد وائتمنهم