قال في المبارق: يعني عاد الزمان إلى الهيئة والترتيب الذي وضع الله الشهور عليه يوم خلق السموات والأرض سبب ذكره أن العرب كانوا يعتقدون تحريم الأشهر الحرم حتَّى لو لقي واحد منهم قاتل ولده لم يتعرض له متمسكين في ذلك بملة إبراهيم عليه السلام لكنهم إذا وقع لهم ضرورة في القتال بدلوا الأشهر الحرم إلى غيرها لاستكراههم استحلالها بالكلية وأمروا مناديًا ينادي في القبائل ألا إنَّا أنسأنا المحرم إلى صفر أي أخرنا تحريمه إلى صفر عنوا بذلك أنّا نحارب في المحرم ونترك الحرب بدله في صفر وإذا عرضت لهم حاجة أخرى ينقلون المحرم من صفر إلى ربيع الأول وكانوا يؤخرون الحج من شهر إلى شهر حتَّى وصل ذو الحجة ورجع إلى موضعه الأصلي وترتيبه الخلقي عام حجة الوداع فاجعلوا الحج فيه ولا تبدلوا شهرًا بشهر كأهل الجاهلية اهـ منه ومعنى (إن الزمان قد استدار) أي إن زمان الحج عاد في هذه السنة يعني حجة الوداع إلى وقته الأصلي الذي عينه الله تعالى له يوم خلق السموات والأرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه ونفذ بها حكمه ثم قال: (السنة اثنا عشر شهرًا) ينفي بذلك الزيادة التي زادوها في السنة وهي خمسة عشر يومًا بتحكيمهم ثم هذا موافق لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة / ٣٦] فتعين الوقت الأصلي وبطل التحكم الجاهلي اهـ من المفهم.
وقال القرطبي أَيضًا: اختلف في معنى هذا اللفظ يعني قوله: (إن الزمان قد استدار كهيئته) الخ على أقوال كثيرة وأشبه ما فيها ثلاثة أقوال: أحدها: ما قاله إياس بن معاوية وذلك أن المشركين كانوا يحسبون السنة اثني عشر شهرًا وخمسة عشر يومًا وكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة وفي كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يومًا فحج أبو بكر رضي الله عنه سنة تسع في ذي القعدة بحكم الاستدارة ولم يحج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر ووافق ذلك الأهلة وقد روي أن أَبا بكر إنما حج في ذي الحجة.
الثاني: ما روي عن ابن عباس أنَّه قال: كانوا إذا كانت السنة التي ينسأ فيها قام خطيبهم وقد اجتمع إليه النَّاس يوم الصدر أي الرجوع من منى قال ابن الأنباري وهو رجل من بني كنانة يقال له: نعيم بن ثعلبة فقال: أنا الذي لا أعاب ولا يرد لي قضاء