للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ

ــ

بذلك لقعودهم فيه عن الحرب لكونه أول الأشهر الحرم ويجمع على ذوات القعدة وحكى الكوفيون أولات القعدة والثاني عشر (ذو الحجة) بفتح الحاء وكسرها سمي بذلك لكون الحج يقع فيه والكلام في جمعه كالكلام في ذي القعدة وتسمية العرب العاربة (برك) بوزن عمر غير مصروف لأنه تبرك فيه الإبل للموسم اهـ من المفهم مع زيادة (منها) أي من تلك الاثني عشر وهو خبر مقدم لما بعده (أربعة حرم) أربعة مبتدأ مؤخر حرم صفته سميت الحرم حرمًا لاحترامها وتعظيمها بما خصت به من أفعال البر وتحريم القتال وتشديد أمر البغي والظلم فيها وذلك أن العرب كانت في غالب أحوالها ومعظم أوقاتها قبل مجيء الإِسلام أهل غارة ونهب وقتال وحرب يأكل القوي الضعيف ويصول على المشروف الشريف لا يرجعون لسلطان قاهر وأمر جامع وكانوا فوضى أي لا أمير لهم من غلب سلب ومن عزَّ بزَّ (أي من غلب أخذ السلب) لا يأمن لهم سرب ولا يستقر بهم حال فلطف الله بهم بأن جعل في نفوسهم احترام أمور يمتنعون فيها من الغارة والقتال والبغي والظلم فيأمن بعضهم من بعض ويتصرفون فيها في حوائجهم ومصالحهم فلا يهيج فيها أحد أحدًا ولا يتعرض له حتَّى إن الرَّجل يلتقي فيها بقاتل أَبيه وأخيه فلا يتعرض له بشيء ولا بغدر بما جعل الله في قلوبهم من تعظيم تلك الأمور ولا يبعد أن يكون أصل ذلك مشروعًا لهم من دين إبراهيم وإسماعيل كالحج والعمرة وغيرهما مما كان عندهم من شرائعهما وهذه الأمور من الزمان الأشهر الحرم ومن المكان حرم مكة ومن الأموال الهدي والقلائد ويشهد لما ذكرناه قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة / ٢١٧] وقوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة / ٣٦] ثم قال: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة / ٣٦] وقوله تعالى في الحَرَم: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران / ٩٧] وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت / ٦٧] وقوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة / ١٢٥] وقوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} [المائدة / ٩٧]. ومعنى كون هذه الأمور قيامًا للنَّاس أي تقوم بها أحوالهم وتنتظم بها مصالحهم من أمر دنياهم ومعايشهم هذا معنى ما قاله المفسرون فلما جاء الإِسلام لم يزد تلك الأمور إلَّا تعظيمًا وتشريفًا غير أنه لما حدَّ الحدود وشرع الشرائع ونصب العقوبات والزواجر اتفقت كلمة المسلمين والتزمت شرائع الدين فأمن النَّاس على دمائهم ونفوسهم وأموالهم فامتنع أهل الظلم من ظلمهم وكف أهل البغي عن بغيهم

<<  <  ج: ص:  >  >>