(فليكرم ضيفه) الغني والفقير والمسلم والكافر بطلاقه الوجه وتعجيل قراه وإكرام نزله ورفع منزلته والقيام بنفسه في خدمته وقوله (جائزته) بدل اشتمال مما قبله أو مفعول به لمحذوف تقديره وليعط له جائزته أي ما يجوز به من منهل إلى منهل إن كان مارًا عليه أي فليزوده عند توديعه ما يكفي له يومًا وليلة وتسمى الجيزة لأنَّ المسافر يجوز به من منزل إلى منزل قال القرطبي قوله (جائزته) الجائزة العطية يقال: أجزته كما يقال: أعطيته وهي منصوبة على إسقاط حرف الجر أي فليكرم ضيفه بجائزته أو منصوب بيكرم على التضمين فيضمن معنى يعطي فيكون مفعولًا ثانيًا اهـ قال الأبي: الأظهر أنَّه بدل اشتمال من ضيفه نحو أعجبني عبد الله علمه أي أعجبني علم عبد الله أي فليكرم جائزة ضيفه اهـ قال القرطبي: والأمر بها على جهة الندب لأنها من مكارم الأخلاق إلا أن تتعين في بعض الأوقات بحسب ضرورة أو حاجة فتجب حينئذٍ وقد أفاد هذا الحديث أنها من أخلاق المؤمنين ومما لا ينبغي لهم أن يتخلفوا عنها لما يحصل عليها من الثواب في الآخرة ولما يترتب عليها في الدنيا من إظهار العمل بمكارم الأخلاق وحسن الأحدوثة الطيبة وطيب الثناء وحصول الراحة للضيف المتعوب بمشقات السفر المحتاج إلى ما يخفف عليه ما هو فيه من المشقة والحاجة ولم تزل الضيافة معمولًا بها في العرب من لدن إبراهيم - عليه السلام - لأنه أول من ضيف الضيف وعادة مستمرة فيهم حتى إن من تركها يذم عرفًا ويبخل ويقبح عليه عادة فنحن وإن لم نقل إنها واجبة شرعًا فهي متعينة لما يحصل منها من المصالح ويندفع بها من المضار عادة وعرفًا (قالوا) أي قال الأصحاب: (وما جائزته) أي جائزة الضيف (يا رسول الله) استفهام عن قدر الجائزة لا عن حقيقتها ولذلك أجابهم بقوله أي (قال) لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جواب سؤالهم الجاثزة (يومه وليلته) أي القيام بكرامته في يومه وليلته أي أقل ما يكون من الضيافة هذا القدر فإنَّه إذا فعل هذا حصلت له تلك الفوائد وقوله بعد ذلك (والضيافة ثلاثة أيام) يعني بها الكاملة أي والضيافة الكاملة التي إذا فعلها المضيف وصل إلى غاية الكمال وإذا أقام الضيف إليها لم يلحقه ذم بالمقام فيها هي ثلاثة أيام وأما بعد ذلك فخارج عن هذا كله وداخل في إدخال المشقات والكلف على المضيف فإنَّه بتأذى بذلك من أوجه متعددة وهو المعني بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يحل له أن يقيم عنده حتى يؤثمه) أي حتى