بأنه محمول على المضطرين لأنَّ ضيافتهم واجبة وقت الضرورة فإن امتنعوا فلهم أن يأخذوا منهم بقدر الحاجة اهـ قوله (فاقبلوا) هذا أمر على جهة الندب للضيف بالقبول فحقه أن لا يرد لما فيه مما يؤدي إلى أذى المضيف بالامتناع من إجابة دعوته وغم قلبه بترك أكل طعامه ولأنه ترك العمل بمكارم الأخلاق وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب عرسًا كان أو غيره رواه مسلم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - وقوله (فخذوا منهم حق الضيف) ظاهر هذا الحديث أن قرى الضيف واجب وأن المنزول عليه لو امتنع من الضيافة أخذت منه قهرًا وبه قال الليث بن سعد مطلقًا وهو ظاهر في ذلك غير أن هذا محمول على ما كان في أول الإِسلام من شدة الأمر وقلة الأزواد فقد كانت السرية يخرجها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجد لها إلا مزودي تمر فكان أمير السرية يقوتهم إياه كما اتفق في جيش أبي عبيدة - رضي الله عنه - وسيأتي.
وإذا وجب التضييف كان للضيف طلب حقه شرعًا وإذا لم يكن الحال هكذا فيحتمل أن يكون هذا الحق المأمور بأخذه هو حق ما تقتضيه مكارم الأخلاق وعادات العرب فيكون هذا الأخذ على جهة الحض والترغيب بإبداء ما في الضيافة من الثواب والخير وحسن الأحدوثة ونفي الذم والبخل لا على جهة الجبر والقهر إذ الأصل أن لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب قلبه ويحتمل أن يكون المراد بالقوم الممرور بهم أهل الذمة فينزل بهم الضيف فيمنعونه ما قد جعل عليهم من التضييف فهؤلاء يؤخذ منهم ما جعل عليهم من الضيافة على جهة الجبر من غير ظلم ولا تعد وقد رأى مالك سقوط ما وجب عليهم من ذلك لما أحدث عليهم من الظلم والله تعالى أعلم اهـ من المفهم وخص أحمد هذا الحديث بأهل البوادي دون القرى لأنَّ في أسواق الأمصار والقرى ما يغني الضيوف عن طلب الطعام من البيوت وأما الجمهور فمذهبهم أن الضيافة سنة مؤكدة وليست بواجبة حتى يجوز للنازل أخذها كرهًا إلا إذا كان في حالة المخصمة والاضطرار وأول الجمهور حديث الباب بتأويلات مختلفة [١] منها أن حديث الباب محمول على المضطرين [٢] ومنها ما أشار إليه الترمذي من أنَّه محمول على من طلب الشراء محتاجًا فامتنع صاحب الطعام فله أن يأخذه منه كرهًا [٣] ومنها أنَّه مخصوص بالعمال المبعوثين لقبض الصدقات من جهة الإمام فكان على المبعوث إليهم إنزالهم في مقابلة عملهم الذي يتولونه لأنه لا قيام لهم إلا بذلك حكاه الخطابي قال: وكان هذا في ذلك الزمان إذ لم