الاسترسال في إبداء شجاعته فإن مقتضى الغضب والعاطفية أن يقول حتى أقتله لكنه احتاط فلم يجزم بموت خصمه لأن العاقبة لا يعرفها أحد فما أحسنه أدبًا إذ جمع بين الغيرة والنجدة والحزم والصدق رضي الله عنه (قال) عبد الرحمن بن عوف: (فتعجبت لذلك) أي من ذلك أي من قوله ذلك وشجاعته على أبي جهل وغيرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فغمزني) أي طعنني الغلام (الآخر) بيده (فقال) ذلك الآخر مقالة (مثلها) أي مقالة مماثلة لمقالة الأول يعني قوله لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده.
(قال) عبد الرحمن بن عوف: (فلم أنشب) أي فلم ألبث ولم أمكث بعد سؤالهما من (أن نظرت إلى أبي جهل يزول) ويتجول ويطوف (في الناس) ويضطرب ويتحرك في الناس أي لم يمض زمان كثير بعد سؤالهما إلا وأنا رأيته يضطرب ويتحرك في الناس ولا يستقر على حالة ولا يثبت في مكان وروي (يرفل) ومعناه يسبل ثيابه ودرعه ويجرهما على الأرض وفي رواية للبخاري (يجول في الناس) بدل يزول ومعناهما واحد أي يضطرب في مواضع ولا يستقر على حال قال عبد الرحمن: (فقلت) لهما: (ألا تريان) وتنظران إلى القوم هذا المتجول في الناس (صاحبكما) أي مطلوبكما (الذي تسألانـ) ـني (عنه) يعني قلت لهما هذا المتجول أبو جهل (قال) عبد الرحمن: (فابتدراه) أي بادراه وتسابقا إليه (فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه) أي قاربا قتله بإثخانه ثم أتم أمره ابن مسعود بجز رأسه كما سيأتي (ثم) بعد قتلهما إياه (انصرفا) وذهبا (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه) صلى الله عليه وسلم: خبر قتله (فقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكما قتله) أي من الذي قتله منكما (فقال كل واحد منهما أنا قتلتـ) ـه وصدق كل واحد منهما لاشتراكهما في قتله والمراد من القتل الإثخان وإلا فقد ثبت أن الذي أجهز عليه عبد الله بن مسعود (فقال) لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل مسحتما سيفيكما) من الدم أي هل أزلتما دمه عن سيفيكما بالمسح (قالا: لا) أي ما مسحنا دمه