تلك الكلمة ولولا حرف امتناع لوجود، والمبتدأ مقدر بعدها والخبر محذوف وجوبًا لقيام جوابها مقامه لأنه من المواضع التي يجب حذف الخبر فيها كما بيناها في الفتوحات القيومية على متن الآجرومية والتقدير لولا مخافة تعيير قريش بها عليَّ موجودة لأقررت بها عينك وعَيَّر يتعدى بنفسه ومنه قول النابغة:
وعيرتني بنو ذبيان خشيته ... وما عليَّ بأن أخشاك من عارِ
ويقال عيرته بكذا تعييرًا والعامة تقول بالباء، والأول كلام العرب، وجملة قوله (يقولون) حال من قريش (إنما حمله) وبعثه وحثه (على ذلك) أي على النطق بالشهادتين (الجزع) بالجيم والزاي على الرواية الصحيحة لا يعرف غيرها في صحيح مسلم وهو بمعنى الخوف من الموت، وفي كتاب أبي عبيد (الخرع) بالخاء المعجمة والراء المهملة، وقال: يعني الضعف والخور وكذلك قال ثعلب وفسره به، قال شمر بن حمدويه الهروي يقال: خرع الرجل إذا ضعف وكل رخوٍ ضعيف خريع وخرع والخرع الفصيل الضعيف، قال: والخَرَعُ الدهش ومنه قول أبي طالب، وفي الصحاح: الخَرَعُ بالتحريك الرخاوة في الشيء وقد خَرعَ الرجل بالكسر أي ضعف فهو خرع ويقال لمشفر البعير إذا تدلى خريع، ومعنى (لأقررت بها عينك) أي سررتك بها وفرحتك بقولها وأبلغتك أمنيتك، قال ثعلب: أقر الله عينك أي بلغه أمنيته حتى ترضى نفسه وتقر عيناه، ومنه قولهم فيمن أدرك ثاره: وقعت بقُرِّك أي أدرك قلبك ما كان يتمنى، وقال الأصمعي معناه برَّد الله دمعته؛ لأن دمعة الفرح باردة، قال غيره: ودمعة الحُزن حارة؛ ولذلك يقال: أسخن الله عينه، أي أراه ما يسوءه فيبكي فتسخن عينه، وقال ابن الأخضر: وما هنا منه؛ لأن المعنى أبرد الله عينه لأن الحزين يبكي فتسخن عينه، وغيره لا يبكي فتبقى عينه باردة، قال الأبي: فالمعنى على الأول: أراك الله ما يسرك وعلى الثاني لا أحزنك الله، ومعنى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية أي لا تقدر على توفيق من أراد الله خذلانه. وكَشْفُ ذلك بأن الهداية الحقيقية هي خلق القدرة على الطاعة وقبولها، وليس ذلك إلا لله تعالى، والهداية التي تصح نسبتها لغير الله تعالى بوجه ما هي الإرشاد والدلالة كما قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي ترشد وتبين كما قال تعالى {إِنْ عَلَيكَ إلا الْبَلَاغُ} وما ذكرناه هو مذهب أهل السنة والجماعة، وهو الذي تدل عليه