الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصِّدْقِ والأمانةِ غيرَ أنه لم يَبْلُغْ درجةَ رجال الصحيح؛ لكونه يَقْصُرُ عنهم في الحفظ والإِتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حالِ مَنْ يُعَدُّ ما يَتَفَرَّدُ به من حديثه منكرًا، ويُعْتَبَرُ في كل هذا -مع سلامة الحديث من أنْ يكونَ شاذًّا ومنكرًا- سلامتُه من أن يكون مُعَلّلًا، وعلى القسم الثاني يتنزّل كلام الخَطَّابي.
وكتابُ أبي عيسى التِّرمذي رحمه الله تعالى أصلٌ في معرفة الحديث الحَسَن، وهو الذي نَوَّهَ باسمه وأَكْثَرَ من ذِكْره في "جامعه"(١)، ومن مَظَانِّه "سننُ أبي داود".
وفي قول الترمذيِّ وغيرِه:(هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ) إِشكالٌ؛ لأن الحَسَنَ قاصرٌ عن الصحيح، ففي الجَمْعِ بينهما جَمْعٌ بين نَفْي ذلك وإِثباتِه، وجوابُه: أَنَّ ذلك راجعٌ إِلى الإسناد، فإذا رُويَ الحديثُ الواحدُ بإسنَادين أحدهما إِسنادٌ حَسَنٌ والآخرُ إِسنادٌ صحيحٌ. . فالمعنى أنه حَسَنٌ بالنِّسْبة إِلى إِسنادٍ، صحيحٌ بالنسبة إِلى إِسنادٍ آخر، أو أرادَ بالحَسَن معناه اللُّغَويّ، وهو ما تميلُ إِليه النفْسُ ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي.
واعلم: أَنَّ الضعيفَ من الحديث: هو كُلُّ حديثٍ لم يجتمع فيه صفاتُ الحديثِ الصحيحِ ولا صفاتُ الحديث الحَسَن المذكوراتُ فيما تقدَّم، وتدخل تحته أقسامٌ كثيرةٌ نَفَاها أبو حاتم بن حِبَّان إِلى تسعةٍ وأربعين قسمًا، منها: الموضوع، والمقلوب، والشاذّ، والمُعَلَّل، والمُضْطَرِب، والمُرسَل، والمُنْقَطِع، والمعضَل، والمنكَر، إِلى غير ذلك من الأقسام المذكورة في علم الحديث.
فالموضوع: شَرُّ الأحاديث الضعيفة، وحقيقتُه: هو المُخْتَلَقُ المصنوعُ، ولا تَحِلُّ روايتُه لأحدٍ في أيّ معنىً كان إِلَّا مقرونًا ببيان وَضْعِه، بخلاف غيره من
(١) زاد الإِمام ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص ٣٢): (ويوجَدُ في متفرّقاتٍ من كلام بعضِ مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما) اهـ، وهذا يُفِيدُ أَن ذكر الحديث الحَسَن انتشر وشاع قبل زمان الإِمام الترمذي، ولكن الإِمام الترمذي هو الذي شهره ونوّه بذِكْرِه واستعمله بكثرةٍ في كتابه، والله أعلم.