(قلت: يا رسول الله فما) ذا (ترى) وتقول لي: (أن أدركني ذلك) الزمن الذي فيه أولئك الدعاة (قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) يعني أنه متى اجتمع المسلمون على إمام فلا يخرج عليه وإن جار كما تقدم وكما قال في الرواية الأخرى (فاسمع وأطع) وعلى هذا فتشهد مع أئمة الجور الصلوات والجماعات والجهاد والحج وتجتنب معاصيهم ولا يطاعون فيها اهـ مفهم (فقلت) له صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تكن لهم) أي للمسلمين (جماعة) مستقيمة (ولا إمام) منصوب (قال) صلى الله عليه وسلم: إذًا (فاعتزل) أي فانفصل عن (تلك الفرق) المختلفة (كلها) وابتعد منهم ولا تختلط بهم لئلا يغرقك أمواج الفتن.
قال القرطبي قوله (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام) هذه إشارة إلى مثل الحالة التي اتفقت للناس عند موت معاوية بن يزيد بن معاوية فإنه توفي لخمس بقين من ربيع الأول سنة أربع وستين ولم يعهد لأحد وبقي الناس بعده بقية ربيع الأول وجمادين وأيامًا من رجب من السنة المذكورة لا إمام لهم حتى بايع الناس بمكة لابن الزبير وفي الشام لمروان بن الحكم قوله (فاعتزل تلك الفرق كلها) هذا أمر بالاعتزال عند الفتن وهو على جهة الوجوب لأنه لا يسلم الدين إلا بذلك وهذا الاعتزال عبارة عن ترك الانتماء إلى من لم تتم إمامته من الفرق المختلفة فلو بايع أهل الحل والعقد لواحد موصوف بشروط الإمامة لانعقدت له الخلافة وحرمت على كل أحد المخالفة فلو اختلف أهل الحل والعقد فعقدوا لإمامين كما اتفق لابن الزبير ومروان لكان الأول هو الأرجح اهـ من المفهم.
(ولو) حصل لك الاعتزال بـ (ـأن تعض على أصل شجرة) وساقها قال البيضاوي المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان وعض أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقة أفاده ابن حجر كقولهم فلان يعض الحجارة من شدة الألم أر المراد اللزوم كلقوله في الحديث الآخر عضوا عليها بالنواجذ وقال بعضهم والذي يظهر من معنى هذا الحديث أن المعتزل إذا لم يجد شيئًا يأكله بسبب عزلته حتى اضطر إلى أكل أصول الأشجار فليفعل ولا يمنعه ذلك عن الاعتزال أي ولو