[٦/ ١٩] لا هجرة بعد الفتح أي فتح مكة أو المراد ما هو أعم من ذلك إشارة إلى أن حكم غير مكة في ذلك حكمها فلا تجب الهجرة من بعد أن فتحه المسلمون أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين ثلاثة الأول قادر على الهجرة منها لا يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فالهجرة منها واجبة والثاني قادر لكنه يمكنه إظهار دينه وأداء واجباته فمستحبة لتكثير المسلمين بها ومعونتهم وجهاد الكفار والأمن من غدرهم والراحة من رؤية المنكر بينهم الثالث عاجز لعذر من أسر أو مرض أو غيره فتجوز له الإقامة فإن حمل على نفسه وتكلف الخروج أجر. وقال البغوي في شرح السنة [١٠/ ٣٧٢] إن الهجرة كانت مندوبة في أول الإسلام غير مفروضة فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمروا بالهجرة والانتقال إلى حضرته وقطع الله الولاية بين من هاجر من المسلمين وبين من لم يهاجر فلما فتحت مكة عاد أمر الهجرة منها إلى الندب والاستحباب اهـ فالحاصل أن النفي في حديث الباب ليس نفيًا لمشروعية الهجرة بعد فتح مكة ولا لوجوبها على من لم يقدر على إظهار دينه في بلد الكفار ولكنه نفي لفريضتها على أهل مكة فإن الهجرة قبل الفتح كانت علامة لإيمانهم ومدارًا لقبوله وإلى ذلك وقع الإشارة في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} أما مطلق الهجرة لأسباب مشروعية فباقية إلى يوم القيامة وذلك لما أخرجه أبو داود في الجهاد [٢٤٧٩]، وأحمد [٤/ ٩٩]، عن معاوية مرفوعًا لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها وله شاهد جيد في مجمع الزوائد [٥/ ٢٥٠] معزيًا إلى أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو.
(ولكن جهاد ونية) باقيان أي نية في الجهاد أو في فعل الخيرات وهذا يدل على أن استمرار حكم الجهاد إلى يوم القيامة وأنه لم ينسخ لكنه يجب على الكفاية وإنما يتعين إذا داهم العدو بلدًا من بلاد المسلمين فيتعين على كل من تمكن من نصرتهم اهـ مفهم قال النووي معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة ولكن حصلوه بالجهاد والنية الصالحة وقال الطيبي هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك حكاه