(قال) معاذ (فقال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (يا معاذ) بلا نسبة إلى جبل (أتدري) أي هل تدري وتعلم إما حق الله على العباد وما حق العباد على الله قال) معاذ (قلت) له (الله ورسوله أعلم قال) رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مبينًا للحقَّين إذا فوضت عليهما إلى الله ورسوله وأردت بيانهما (فـ) ـأقول لك (إن حق الله على العباد) أي ما يجب لله تعالى على عباده (أن يعبدوا الله) سبحانه ويطيعوه بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات (و) أن (لا يشركوا به) تعالى (شيئًا) من المخلوقات حيًّا وميتًا جنيًّا وإنسيًّا وملكًا جمادًا وحيوانًا أو لا يشركوا به شيئًا من الإشراك جليًّا ولا خفيًّا، قال بعض الشيوخ: وهذا إشارة إلى مقام الإخلاص كما مر آنفًا (وحق العباد) أي ما يستحقونه على ربهم بمقتضى وعده وفضله (على الله عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص (إن لا يُعذب) في الآخرة (من لا يشرك به شيئًا) من المخلوق أو شيئًا من الإشراك، وهو على التأويل المار فلا تغفل عنه (قال) معاذ (قلت يا رسول أفلا أبشر النَّاس) بهذه البشارة العظيمة، والهمزة فيه للاستفهام التقريري داخلة على محذوف والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، والتقدير أأكتم هذه البشارة فلا أبشر بها النَّاس؟
(قال) لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم (لا تبشرهم) أي لا تبشر النَّاس بهذه البشارة، والفاء في قوله (فيتكلوا) أي فيكتفوا بمجرد التوحيد عن العمل الصالح عاطفة سببية والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة وجوبًا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النَّهي نظير قوله تعالى {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيكُمْ غَضَبِي} وعلامة نصبه حذف النون لأنَّه من الأفعال الخمسة والواو فاعل والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: لا يكن منك يا معاذ تبشير النَّاس بهذه الشارة فاتكالهم على مجرد التوحيد فتفوتهم الدرجات العُلى.