للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَعْبُدُ الله رَبَّهُ، وَيدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ"

ــ

الطريق أو الطريق في الجبل والناحية والمراد موضع العزلة كما هو مصرح في الرواية الآتية قال النووي وليس المراد الانفراد والاعتزال وذكر الشعب مثالًا لأنه خال عن الناس غالبًا وقال ابن عبد البر إنما أوردت هذه الأحاديث بذكر الشعب والجبل لأن ذلك في الأغلب يكون خاليًا من الناس فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى كذا في فتح الباري (يعبد الله ربه ويدع الناس) أي يتركهم (من شره) وضرره لهم قال النووي وفي الحديث دليل لمن قال بتفضيل العزلة على الاختلاط وفي ذلك خلاف مشهور فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط رجاء السلامة من الفتن ومذهب طوائف من العلماء أن الاعتزال أفضل وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب أو هوفيمن لا يسلم الناس منه ولا يصبر عليهم وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين فيحصلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر وغير ذلك وما ذكره النووي رحمه الله تعالى من حمل الحديث على زمن الفتن يؤيده حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الصحيحين (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن) ثم إن العزلة المحمودة في هذا الحديث ليست الرهبانية المذمومة في القرآن لأن الرهبانية تتضمن إهمال الحقوق الواجبة للنفس والأهل والعباد بخلاف هذه العزلة فإن المقصود منها ترك الاختلاط مع الناس مع أداء حقوق النفس والأهل في العزلة والله سبحانه وتعالى أعلم.

وعبارة القرطبي هنا قوله (أي الناس أفضل) أي أي الناس المجاهدين بدليل أنه أجابه بقوله رجل مجاهد بنفسه وماله ثم ذكر بعده من جاهد نفسه بالعزلة عن الناس إذ كل واحد من الرجلين مجاهد فالأول للعدو الخارجي والآخر للداخلي الذي هو النفس والشيطان فجاهدهما بقطع المألوفات والمستحسنات من الأهل والقرابات والأصدقاء والأوطان والشهوات المعتادات وكل ذلك فرارًا بدينه وخوفًا عليه وهذا هو الجهاد الأكبر الذي من وصل إليه فقد ظفر بالكبريت الأحمر غير أن العزلة إنما تكون مطلوبة إذا كفى المسلمون عدوهم وقام بالجهاد بعضهم فأما مع تعين الجهاد فليس غيره بمراد ولذلك بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث في بيان أفضلية الجهاد على العزلة اهـ من

<<  <  ج: ص:  >  >>