للبخاري في المغازي فقلت ما تغني عنكم تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت (قال) جابر (نمصها) أي نمص تلك الحبة بفتح الميم وضمها والفتح أفصح وأشهر أي نمص ما عليها مصًا (كما يمص الصبي) ثدي أمه (ثم نشرب عليها) أي على تلك الحبة بعد مصها (من الماء فتكفينا) تلك الحبة غذاء (يومنا إلى) دخول (الليل) فلا نجد غيرها.
قال القرطبي (قوله لم يجد لنا غيره) اختلفت ألفاظ الرواة في هذا المعنى فمنها ما ذكرناه وفي رواية (فكنا نحمل أزوادنا على رقابنا) وفي أخرى (ففني زادهم) وفي الموطأ (فكان مزودي تمر) وفي أخرى (فكان يعطينا قبضة قبضة ثم أعطانا تمرة تمرة) ويلتئم شتات هذه الروايات بأن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم زادهم ذلك المزود أو المزودتين إلى ما كان عندهم من زاد أنفسهم الذي كانوا يحملونه على رقابهم ثم إنهم لما اشتدت بهم الحال جمع أبو عبيدة ما كان عندهم إلى المزود الذي زادهم النبي صلى الله عليه وسلم فكان يفرقه عليهم قبضة قبضة إلى أن أشرف على النفاد فكان يعطيهم إياه تمرة تمرة إلى أن فني ذلك.
وجمع أبي عبيدة الأزواد وقسمتها بالسوية إما أن يكون حكمًا حكم به لما شاهد من ضرورة الحال ولما خاف من تلف من لم يكن معه زاد فظهر له أنه قد وجب على من معه زاد أن يحيى من ليس له شيء أو يكون ذلك عن رضا من كان له زاد رغبة في الثواب وفيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم (في الأشعريين من أنهم إذا قل زادهم جمعوه فاقتسموه بينهم بالسوية قال رسول الله فهم مني وأنا منهم) رواه مسلم (٢٥٠٠) وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ولذلك قال بعض العلماء إنه سنة اهـ من المفهم.
قال الحافظ في الفتح وظاهر قوله (لم يجد لنا غيره) أنه لم يكن عندهم غير هذا الزاد ولكن وقع في رواية وهب بن كيسان عند البخاري في المغازي (فخرجنا وكنا ببعض الطريق ففني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قليلًا قليلًا حتى فني فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة) وظاهر هذا السياق أنهم كان لهم زاد بطريق العموم وأزواد بطريق الخصوص فلما فني الذي بطريق العموم اقتضى رأي أبي