الله صلى الله عليه وسلم و) سفرنا (في سبيل الله) وطاعته أي لإعلاء كلمة الله بالجهاد (وقد اضطررتم) بالبناء للمجهول أي احتجتم إلى أكلها حاجة شديدة (فكلوا) منها فكأن أبا عبيدة تردد في أكلها لكونها ميتة فكأنه لم يعلم حينئذ أن ميتة البحر حلال.
قال القرطبي قول أبي عبيدة (ميتة) أي هي ميتة فلا تقرب لأنها حرام بنص القرآن العام ثم إنه أضرب عما وقع له من ذلك لما تحقق من الضرورة المبيحة له ولذلك قال (لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اضطررتم فكلوا) وهذا يدل على جواز حمل العموم على ظاهره والعمل به من غير بحث عن المخصصات فإن أبا عبيدة حكم بتحريم ميتة البحر تمسكًا بعموم القرآن ثم إنه استباحها بحكم الإضطرار مع أن عموم القرآن في الميتة مخصص بقوله صلى الله عليه وسلم (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة قال النووي إنه قال أولًا باجتهاد إن هذا ميتة وهي حرام فلا يحل لكم أكلها ثم تغير اجتهاده فقال بل هو حلال لكم وعلل حله بكونهم في سبيل الله وقد اضطروا وهو مباح بنص القرآن اهـ باختصار (قال) جابر (فأقمنا عليه) أي على أكل ذلك العنبر (شهرًا) كاملًا (ونحن) معاشر الجيش (ثلاثمائة) نفر فأكلناه (حتى سمنا) بتشديد النون أولاهما لام الكلمة وثانيهما نون الضمير أي أكلنا منها شهرًا فسمنا من أكلها بعدما هزلنا بالخبط والمراد بقوله سمنا أي تقوينا وزال ضعفنا كما قال في الرواية الأخرى (حتى ثابت إلينا أجسامنا) أي رجعت إلينا قوتنا وإلا فما كانوا أسمانًا قط اهـ من المفهم قوله (وأقمنا عليه ونحن ثلاثمائة) يعني كان هؤلاء الثلاثمائة يشبعون منه كل يوم إلى شهر ولا يبعد ذلك بالنظر إلى ما ذكرنا من كبر هذا النوع من السمك وقال القاضي عياض مثل هذه المدة يفسد فيها اللحم فعدم فساد هذا إما لكثرة شحمه ودسمه كما ذكر أنهم كانوا يغترفون الدهن بالقلال وكثرة الشحم والودك مما يصون اللحم من التغير أو يكون لكبره وعظمه يطرح منه ما فسد ويؤخذ مما تحته مما لم يصبه الهواء لأن فساد الطعام وما فيه رطوبة إنما يكون غالبًا من مداخلة الهواء فإذا صين من الهواء تماسك كما هو مشاهد الآن في الثلاجات العصرية وقد يكون هذا الحوت ألقاه البحر إلى ساحله ميتًا لكن شخصه في الماء بحيث يصونه الماء ويحفظه ببرده من الفساد ومثل هذا موجود فيمن يدفن في الأرض البارحة الباردة الندية فإنه لا يتغير ثم إن مدة