(فقال) أنس في جوابهم إما كانت لنا) معاشر الصَّحَابَة (خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ) وهو الخمرة المتخذة من البسر المشدوخ (إنِّي لقائم) يومًا حالة كوني (أسقيها) أي أسقي الخمرة المتخذة من الفضيخ وأصبها لهم، والضمير عائد إلى الفضيخ ولكن أنثه نظرًا إلى كونه بمعنى الخمر، وذكره أولًا نظرًا إلى لفظ الفضيخ (أَبا طلحة) زوج أمي أم سليم الأَنْصَارِيّ اسمه زيد بن سهل (وأبا أَيُّوب) الأَنْصَارِيّ اسمه خالد بن زيد (ورجالًا) آخرين (من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) كأبي عبيدة وأبي دجانة وأبي بن كعب كما مر (في بيتنا) بيت أم سليم (إذ جاء رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (فقال) الرَّجل (هل بلغكم الخبر) يعني خبر تحريم الخمر (قلنا لا؟ ) أي ما بلغنا (قال) ذلك الرَّجل (فإن الخمر قد حرمت) حرمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم (فقال) لي أبو طلحة (يَا أنس أرق) أمر من الإراقة أي اكبب وأفرغ (هذه القلال) والجرار المملوءة بالخمر على الأرض، والقلال بكسر القاف جمع قلة بضمها وتشديد اللام وهي جرة كبيرة تسع مائتين وخمسين رطلًا اهـ نووي.
(قال) أنس (فما راجعوها) أي ما رجعوا إلى شربها (ولا سألوا عنها) أي عن حرمتها أحدًا (بعد) سماع (خبر الرَّجل) بل اكتفوا به لوجود القرينة الدالة على صدقه وهو نداء المنادي كما مر (قوله فما راجعوها ولا سألوا عنها) ضمير المؤنث هنا إما إلى القلال أو إلى الخمر؟ والمراد أنَّهم امتثلوا بأمر الله تعالى دون أن يعتريهم في ذلك شك أو شوق إلى ما ألفوه طول عمرهم، وبه يظهر ما كان عليه الصَّحَابَة من الاستسلام الكامل لأوامر الله ورسوله حيث تركوا عادتهم الأليفة في شرب الخمر في لحظة واحدة ولم يمنعهم من ذلك حبهم الشديد لها وولوعهم بها مع ما كانت الخمر في مجتمع أهل العرب من عناصر حياتهم التي لا يعيشون بدونها رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، قوله (بعد خبر الرَّجل) فيه وجوب العمل بخبر الواحد بالقيد السابق.