منهم مدنيون واثنان مكيان (أنه) أي العباس رضي الله عنه (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم) حالة كونه (يقول ذاق) ووجد (طعم الإيمان) أي حلاوته ولذته، وهو فعل ومفعول به وفاعله مَن الموصولة في قوله (من رضي) واختار (بالله) عزَّ وجلَّ من جهة كونه (ربًا) أي مالكًا وواليًا ومعبودًا له، وكفر بما سواه (و) رضي (بـ) دين (الإسلام) من جهة كونه (دينًا) ومذهبا وطريقة له، وأكر بما سواه من الأديان الباطلة الزائفة (وبمحمد) صلى الله عليه وسلم من جهة كونه (رسولًا) وإماما ومقتدى له في شريعته، فلا يأتم بغيره من الأنبياء والمرسلين مع تصديق واعتقاد كونهم رسل الله سبحانه إلى عباده.
قال صاحب التحرير: معنى رضيت بالشيء قنعت به واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره فمعنى الحديث وجد حلاوة الإيمان ولذته من لم يطلب غير الله تعالى ربا واكتفى به معبودًا ولم يسع في غير طريق الإسلام من اليهودية والنصرانية وغيرهما ولم يسلك ولم يتبع إلا ما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا شك في أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمه، وقال القاضي عياض: معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه وخامر باطنه لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشته قلبه لأن من رضي أمرًا سهل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهلت عليه طاعات الله تعالى ولذَّت له والله أعلم، قال القرطبي والرضا بهذه الأمور الثلاثة على قسمين: رضا عام ورضا خاص فالرضا العام: هو أن لا يتخذ غير الله ربا ولا غير دين الإسلام دينا ولا غير محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا له، وهذا الرضا لا يخلو عنه كل مسلم إذ لا يصح التدين بدين الإسلام إلا بذلك الرضا.
والرضا الخاص: هو الذي تكلم به أرباب القلوب، وهو ينقسم على قسمين رضا بهذه الأمور، ورضا عن مجريها تعالى كما قال محمد بن خفيف الشيرازي: الرضا قسمان: رضا به ورضا عنه، فالرضا به مُدبِّرًا، والرضا عنه فيما قضى، وقال أيضًا: هو سكون القلب إلى أحكام الرب وموافقته على ما رضي واختار، وقال الجنيد: الرضا دفع الاختيار، وقال المحاسبي: الرضا هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام، وقال أبو علي الروذباري: ليس الرضا أن لا يحس بالبلاء، إنما الرضا أن لا يعترض على