أي حتى روي فرضيت رِيَّهُ وكأنه شق عليه ما كان فيه من الحاجة إلى اللبن فلما شرب وزال عنه ذلك رضي به، وفي رواية أخرى (فأرضاني) والمعنى واحد.
قوله (فشرب حتى رضيت) تعبير لطيف من الصديق رضي الله عنه عما طبع عليه من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد أنه صلى الله عليه وسلم شرب من اللبن ما يكفيه فسكن به اضطراب الصديق رضي الله عنه الذي حدث له بما رأى عليه صلى الله عليه وسلم من أثر الجوع فإن المحب الصادق يرتاح براحة الحبيب أكثر مما يرتاح بها الحبيب فعبر عن راحة قلبه بذلك بالرضى تجوزًا.
قال القرطبي: وقد يشكل هنا بأنه كيف أقدم أبو بكر على حلب ما لم يؤذن له في حلبه؟ وكيف شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اللبن ولم يكن مالكه حاضرًا ولا أذن له في ذلك مع نهيه صلى الله عليه وسلم عن مثل هندا بقوله "لا يحلبن أحد ماشية أحد إلَّا بإذنه" قد أجيب عن ذلك بأجوبة:
أحدها: أن ذلك اللبن كان تافهًا لا قيمة له لا سيما مع بعده عن العمارة فكأنه إن لم يشرب هو شربه غير مالكه وإلا تلف فيكون هذا من قولهه في الشاة "هي لك أو لأخيك أو للذئب". (قلت) وهذا ليس بشيء لأن الحبة من مال اللغير لا تحل إلَّا بطيب نفس منه وتشبيهها باللقطة فاسد فإن اللبن في الضرع محفوظ كالطعام في المشربة ثم لم يكن على بعد من العمران بدليل إدراك سراقة لهم حين سمع أخبارهم من مكة وخرج من فوره فأدركهم يومه ذلك على ما تدل عليه قصته في كتب السير.
وثانيها: أن عادة العرب جارية بذلك فعملا على العادة وذلك قبل ورود النهي المذكور عن ذلك.
وثالثها: أنه صلى الله عليه وسلم كان في حاجة وضرورة إلى ذلك ولا خلاف في جواز مثل ذلك عند الضرورة إذا أمن على نفسه وهل يلزمه قيمة ذلك أو لا؟ قولان لأهل العلم.
ورابعها: أن ذلك كان مالًا لكافر والأصل في أموالهم الإباحة، (قلت) وقد يمنع هذا الأصل لاسيما على مذهب من يقول إن الكافر له شبهة ملك، وقد تقدم الخلاف في هذا في الجهاد.