خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم) أي أراد الأكل (فليأكل ليمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله وبشرب بشماله).
قال العيني في عمدة القاري [٩/ ٦٥٤] قال شيخنا العراقي: الأمر بالأكل مما يليه والأكل باليمين حمله أكثر أصحابنا على الندب وبه صرح الغزالي والنووي، وقد نص الشافعي في الأم على وجوبه، وزعم القرطبي أن الأكل باليمين محمول على الندب، ورجح الحافظ في الفتح [٩/ ٥٢٢] الوجوب لما في أحاديث مسلم من الوعيد على الأكل بالشمال، وقال الأبي: يتعين أن النهي للتحريم للعلة المذكورة ولقوله في الآخر (لا استطعت) ولم أجد في كتب الحنفية حكم الأكل بالشمال والظاهر أنه مكروه تحريمًا، وقال القاضي عياض: نهى عن الأكل بالشمال وأمر بالأكل باليمين لما تظاهرت به الأحاديث من حبه صلى الله عليه وسلم التيامن في كل شيء ولما فيه من لفظ اليمن ولثنائه تعالى على أصحاب اليمين بأخذهم كتبهم بأيمانهم وكونهم عن يمين الرحمن تشريفًا بذلك وكونهم عن يمين العرش ولما فيها من القوة ولإضافة العرب كل خير إليها وضد ذلك في الشمال اهـ من الأبي.
قال القرطبي: قوله (فليأكل بيمينه) .. الخ هذا الأمر على جهة الندب لأنه من باب تشريف اليمين على الشمال وذلك لأنها أقوى في الغالب وأسبق للأعمال وأمكن في الأشغال ثم هي مشتقة من اليمن والبركة، وقد شرف الله تعالى أهل الجنة بأن نسبهم إليها كما ذم أهل النار حين نسبهم إلى الشمال فقال: {فَأَصْحَابُ الْمَيمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيمَنَةِ (٨)} [الواقعة: ٨] وقال: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١)} [الواقعة: ٩٠ - ٩١] وقال عكس هذا في أصحاب الشمال.
بالجملة فاليمين وما نسب إليها وما اشتق عنها محمود لسانًا وشرعًا ودنيا وآخرة، والشمال على النقيض من ذلك حتى قد قال شاعر العرب:
أبيني أفي يمنى يديك جعلتني ... فأفرح أم صيرتني في شمالِكا
وإذا كان الأمر هكذا فمن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء اختصاص اليمين بالأعمال الشريفة والأحوال النظيفة وإن احتيج في شيء منها