البراغيث يعني بهن أمه أم سليم وخالته أم حرام وغيرهما من محارمه فاستعمل لفظ الأمهات في حقيقته ومجازه توسعًا لأن الخالة بمنزلة الأم، وقوله:(وكن أمهاتي) جار على لغة أكلوني البراغيث فالنون في كن علامة تأنيث المسند إليه وجمعه وإلا فالقياس أن يقال وكانت أمهاتي (يَحثُثْنني) مضارع مسند إلى نون الإناث وفيه نون الوقاية أي يَحضُضْنني ويحرضنني ويرغبنني (على خدمته) صلى الله عليه وسلم وكان أنس من الخزرج ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتت به أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت هذا أنس غلام يخدمك فقبله (فدخل) صلى الله عليه وسلم (علينا دارنا) يومًا ومعه بعض أصحابه (فحلبنا له) أي لأجل شربه صلى الله عليه وسلم لبنًا (من شاة داجن) أي معلوفة في البيت لا تخرج إلى المرعى آلفة له، والداجن بكسر الجيم هي التي تعلف في البيت، ويطلق الداجن على كل ما يألف البيت من طير وغيره (وشيب) أي خلط اللبن ومزج (له) صلى الله عليه وسلم بماء (من بئر) أي من خزان أو بئر عميقة حفرت (في) ساحة (الدار) أي في دارنا، قال النووي: قال العلماء: والحكمة في شوبه أن يبرد أو يكثر أو للمجموع اهـ (فشرب) من ذلك اللبن المشوب بالماء (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له) صلى الله عليه وسلم (عمر وأبو بكر) أي والحال أن أبا بكر (عن شماله) صلى الله عليه وسلم أو الجملة الاسمية معترضة بين القول ومقوله وهو (يا رسول الله أعط) ما فضل عنك (أبا بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما.
قال الخطابي: العادة جارية لملوك الجاهلية ورؤسائها بتقديم الأيمن في الشرب حتى قال عمرو ابن كلثوم في قصيدة له:
وكان الكأس مجراها اليمينا
فخشي عمر لذلك أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي على أبي بكر في الشرب فنبه عليه لأنه احتمل عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر تقديم أبي بكر على تلك العادة فتصير السنة تقديم الأفضل في الشرب على الأيمن فبين النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وقوله أن تلك العادة لم تغيرها السنة وأنها مستمرة وأن الأيمن يقدم على