والمعنى أي بعض الحياء (لا يأتي) ولا يأمر (إلا بخير) أي بما فيه محمدة شرعًا وعقلًا، والبعض الآخر يأمر ويبعث بشر كالحياء من فعل الواجبات بحضرة الفسقة والكفرة، وفي الأبي (قوله الحياء لا يأتي إلا بخير) قال النواوي: استشكل بأن الحياء قد يفرط بصاحبه حتى يمنعه من القيام بحقوق الله تعالى، ومعلوم أن هذا لا خير فيه، وأجاب ابن الصلاح بأن هذا ليس بحياء حقيقة، وإنما هو خور ومهانة، فلا يدخل في الحياء.
(قلت) ما تقدم له في تفسير الحياء من قوله: إن الحياء خلق يمنع من القبيح ومن التقصير في الحقوق، وما يأتي من تفسير الحكماء يحقق أنه حياء حقيقة، وإنما الجواب: أنه عام مخصوص إن جعلت الأداة في الحياء للعموم، وإن لم تجعل فالحديث قضية مهملة، والمهملة في قوة الجزئية، ولا تناقض بين جزئيتين فالمعنى: بعض الحياء لا يأتي إلا بخير وبعض الحياء لا خير فيه وهذا البعض تعرفه من الكلام على الحديث الذي يأتي بعده انتهى.
(فقال بشير) بضم الباء وفتح الشين (بن كعب) العدوي في مقابلة هذا الحديث (إنه) أي إن الشأن والحال (مكتوب في) كتب (الحكمة) أي في الكتب السالفة، ومكتوب مبتدأ ليس له خبر بل له مرفوع سد مسد الخبر لأنه اسم مفعول يعمل عمل الفعل المبني للمجهول لاعتماده على مخبر عنه، ومرفوعه هو جملة أن في قوله (أن منه) أي من الحياء (وقارًا) أي أن منه ما هو وقار، أي ما يحمل صاحبه على أن يوقر الناس، ويتوقر هو في نفسه (و) أن (منه) أي من الحياء (سكينة) بالنصب معطوف على وقارًا، أي وأن منه ما هو سكينة، أي ما يحمل صاحبه على أن يسكن عن كثير مما يتحرك الناس إليه من الأمور التي لا تليق بذوي المروءات (فقال عمران) بن حصين منكرًا عليه هذا القول (أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و) أنت (تحدثني عن صحفك) وكتبك القديمة، ولم ينكر عمران على بشير هذا القول من حيث معناه، وإنما أنكره عليه من حيث إنه أتى به في معرض من يعارض كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام