بعض كلام أهل (الحكمة) والفراسة، والشك من أبي قتادة أيضًا، وجملة أن في قوله (أن منه سكينة) سادة مسد مفعولي نجد أي نجد في كتب أهل النبوة الأولى أو في بعض كتب أهل الحكمة والفراسة أن من الحياء ما هو سكينة وخوف لله تعالى بالجوارح وهو اجتناب العبث بالجوارح والتأني في المشي وقوله (ووقارًا لله) عزَّ وجلَّ أي وما هو خوف من الله تعالى بالقلب المسمى بالخشوع، وقوله لله جار ومجرور تنازع فيه كل من سكينة ووقارًا، فالسكينة الخوف الظاهري من الله تعالى، والوقارُ الخوفُ الباطنيُّ من الله تعالى والمعنى أن من الحياء ما يُورث السكينة والوقار من الله تعالى، بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يخاف في ذلك لومة لائم.
وهذا هو الطرف الوسط من الحياء الذي ليس فيه إفراط ولا تفريط، وقوله (ومنه) أي ومن الحياء ما هو (ضعف) بفتح الضاد وضمها لغتان مشهورتان، أي ما يُورث الضعف في صاحبه إشارة إلى طرف الإفراط في الحياء، وهو المسمى بالخور والعجز والضعف والحماقة، وهو أن يستحيي من كل شيء، فلا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يفعل المأمورات ولا يجتنب عن المنهيات خوفًا من لوم لائم، وأما طرف التفريط في الحياء فهو المسمى بالخلاعة، وهي التي لا يستحيي صاحبها من شيء، يعني من الله ومن غيره، فالخور مذموم لأنه يؤدي إلى ترك الواجب وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمنع من كثير من الخير كما قال صلى الله عليه وسلم:"نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" وإلى هذا الطرف أعني طرف الإفراط أشار بشير بقوله (ومنه ضعف) وأما طرف التفريط المسمى بالخلاعة والخديعة، فلا خفاء في ذمها أيضًا والممدوح الوسط من الحياء المسمى بالسكينة والوقار، وهذا هو المراد بالحياء المذكور في الحديث، لأنه عام أريد به بعض أفراده كما مر (قال) أبو قتادة (فغضب) أي وجد (عمران) بن حصين على بشير بن كعب (حتى) ظهر أثر الغضب على وجهه و (احمرتا عيناه) أي عينا عمران وتلونتا بلون الحمرة، وزال بياضهما لشدة غضبه على بشير، قال النواوي: قوله (احمرتا عيناه) هكذا في الأصول بالألف وهو صحيح جار على لغة أكلوني البراغيث، ومثله قوله تعالى {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} على