قال الأبي: المعارضة إنما هي إذا جُعلت الأداة في الحياء للعموم لأنه يصير التقدير كل حياء فيه خير، وقول الحكماء منه ضعف في قوة بعض الحياء لا خير فيه، والموجبة الكلية تناقضها السالبة الجزئية وقد سمعت ما فيه من البحث والصواب أنه إنما أنكر لإتيانه بكلام الحكماء في مقاومة كلام النبوة بدليل قوله: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن صحفك، وما أشار إليه بشير من كلام الحكماء هو أنهم يقولون كل فضيلة في كل شيء، إنما هي الوسط بين طرفيها المذمومين طرف الإفراط وطرف التفريط كما قال صلى الله عليه وسلم خير الأمور أوسطها فالعلم مثلًا فضيلة فطرف إفراطه الدهاء، وطرف تفريطه البلادة، فالدهاء مذموم لأنه يحمل على المكر وعلى الحكم بالفراسة، ولذا لما عزل عمر إياسًا عن القضاء، فقال: أعن سخط يا أمير المؤمنين؟ قال: لا ولكن كرهت أن أحمل الناس على فضل عقلك، وأما البلادة فلا خفاء في ذمها وكذا الشجاعة فضيلة، فإنما هي الوسط بين طرفي إفراطها وتفريطها فطرف إفراطها التهور، وطرف تفريطها الجبن، فالتهور مذموم لأنه يحمل على البغي وإلقاء النفس إلى الهلاك والموت حيث لا يحمد والجبن مذموم لأنه يمنع من حفظ النفس والمال، ويحمل على الهروب من الموت حيث يحمد، وهكذا يقررونه في جميع الفضائل التي الحياء أحدها فطرف إفراط الحياء الخور، وهو أن يستحيي من كل شيء، وطرف تفريطه الخلاعة، وهي أن لا يستحيي صاحبها من كل شيء فالخور مذموم لأنه يؤدي إلى ترك الواجب وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويمنع من كثير الخير كما قال صلى الله عليه وسلم نعم النساء نساء الأنصار لم يمنَعْهن الحياء أن يتفقَّهْنَ في الدين، وإلى هذا الطرف يشير بشير بقوله: ومنه ضعف، وأما الخلاعة فلا خفاء في ذمها اهـ منه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عمران ثانيًا فقال:
(٦٦) - متا (٠٠)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد بن إبراهيم الحنظلي أبو يعقوب المروزي المعروف بابن راهويه، ثقة ثبت حافظ مجتهد، قرين أحمد بن حنبل من العاشرة، مات سنة (٢٣٨) ثمان وثلاثين ومائتين لأربع عشرة ليلة من شعبان، وله سبع وتسعون (٩٧) سنة، وتقدم البسط في ترجمته وأن المؤلف روى عنه في أحد وعشرين بابًا تقريبًا، قال إسحاق (أخبرنا النضر) بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم بن عنترة المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، نزيل مرو وشيخها، أصله من البصرة ومولده