للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: غَيرَكَ، قَال: "قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، فَاسْتَقِمْ"

ــ

نفسه بحيث لا يحتاج إلى تفسير غيرك، أعمل عليه وأكتفي به، وهذا نظير قول الآخر له "علمني شيئًا أعيش به في الناس ولا تكثر عليَّ فأنسى فقال: لا تغضب" رواه أحمد والبخاري والترمذي ومالك في الموطأ من حديث أبي هريرة، وهذا الجواب هنا بقوله "قل آمنت بالله ثم استقم" دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أُوتي جوامع الكلم واختصر له القول اختصارًا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مخبرًا بذلك عن نفسه فيما رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه "أوتيت جوامع الكلم" فإنه صلى الله عليه وسلم جمع لهذا السائل في قوله "قل آمنت بالله ثم استقم" معاني الإسلام والإيمان كلها فإنه أمره أن يجدد إيمانه متذكرًا بقلبه وذاكرًا بلسانه، ويقتضي هذا استحضار تفصيل معاني الإيمان الشرعي بقلبه التي تقدم ذكرها في حديث جبريل، وأمره بالاستقامة على أعمال الطاعات والانتهاء عن جميع المخالفات إذ لا تتأتى الاستقامة مع شيء من الاعوجاج فإنها ضده اهـ منه.

(وفي حديث أبي أسامة) وروايته لاأسال عنه أحدًا (غيرك) يا رسول الله لوضوحه، وهي أوضح من الرواية الأولى (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال سفيان بن عبد الله (قل) يا سفيان مجددًا لإيمانك بقلبك ولسانك (آمنت بالله) أي صدقت بوحدانيته تعالى، وبجميع ما أتى به رسوله صلى الله عليه وسلم (فاستقم) على الشريعة ولا تعوج عنها بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات وفي بعض الروايات (ثم استقم) بثم التي للتراخي، قال الأبي: وكان هذا الجواب من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم لأنه أجمل فيه ما فصله في ثلاث وعشرين سنة أو عشرين على الخلاف كم بقي بعد البعثة، والمعنى اعتدل على طاعة الله تعالى عقدأ وقولًا وفعلًا وداوم على ذلك ولا يحصل منك اعوجاج منه.

وقال القاضي عياض وجوابه هذا مطابق لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الآية ومعناها عند الأكثر وحدوا الله تعالى وآمنوا به ثم استقاموا على التكاليف فلم يحيدوا عن توحيدهم ولا أشركوا به غيره، والتزموا طاعته حتى لقوا الله تعالى على ذلك، وهذا نفس معنى هذا الحديث.

وعطف الاستقامة بثم لبعد رتبتها عن رتبة الإقرار فهي للبعد في الرتبة لا في

<<  <  ج: ص:  >  >>