وَلَا مِنْ كَدِّ أَبِيكَ وَلَا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ. فَأَشْبعِ الْمُسْلِمِينَ في رِحَالِهِمْ، مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ في رَحْلِكَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ لَبُوسِ الْحَرِيرِ. قَال إلا هكَذَا. وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِصْبَعَيهِ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ وَضَمَّهُمَا
ــ
والمراد هنا إن هذا المال الذي عندك ليس هو من كسبك ومما تعبت فيه ولحقتك الشدة والمشقة في تحصيله (ولا) هو (من كد أبيك ولا من كد أمك) فورثته عنهما بل هو مال المسلمين فشاركهم فيه ولا تختص عنهم بشيء منه (فأشبع المسلمين) منه أي أعطهم ما يشبعهم (في رحالهم) ومنازلهم (مما تشبع منه في رحلك) في الجنس والقدر والصفة ولا تؤخر أرزاقهم عنهم ولا تحوجهم يطلبونها منك بل أوصلها إليهم وهم في منازلهم بلا طلب منهم اهـ نووي.
وكتب عمر رضي الله عنه إليهم (وإياكم والتنعم) أي باعدوا أنفسكم عن التنعم والتبسط والترفه في مآكلكم ومشاربكم (وزي أهل الشرك) أي وباعدوا أنفسكم عن زي وهيئة أهل الشرك في ملابسكم وزينتكم، وحاصل المعنى أن عمر أمر عتبة بن فرقد رضي الله عنهما أن يسوي بين نفسه وبين الناس فيما يأخذه من مال المسلمين ثم نهاه وحذره عن التنعم وهو الترفُّهُ والتوسع وعن زي أهل الشرك يعني بهم المجوس إذ لا يعني به مشركي العرب فإن زي العرب كله واحد مشركهم ومسلمهم، والزي ما يتزيَّى الإنسان به أي يتزين وذلك يرجع إلى الهيئات وكيفية اللباس كما قال:"خالفوا المشركين فإنهم لا يفرقون" وفي آخر "فإنهم لا يصبغون" متفق عليه، وفي آخر "خالفوا المجوس جزوا الشوارب وأوفوا اللحى" متفق عليه، ومن هنا كره مالك رحمه الله تعالى ما خالف زي العرب جملة واحدة (و) باعدوا أنفسكم (لبوس الحرير) أي لباسه يقال لبس الثوب لباسًا ولبوسًا بمعنى واحد اهـ من المفهم. قال في القاموس: اللبوس بوزن صبور، واللباس بوزن كتاب الثوب الذي يلبس، يقال عليه لبوس فاخر أي لباس حسن فعلى هذا فالإضافة بيانية والله أعلم اهـ ذهني (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير) واستثنى في نهيه و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في استثنائه (إلا هكذا) أي إلا ما كان قدر هذا مشيرًا إلى المستثنى بإصبعيه (ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعيه) الشريفتين (الوسطى والسبابة) في بيان ما استثناه من الحرير المنهي عنه (و) الحال أنه قد (ضمهما) أي قد ضم إحداهما إلى الأخرى عند الإشارة بهما يعني