للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على أن من ليس بهذه الصفة غير مسلم لأن المعنى على التفضيل لا على الحصر، كما يقال: الناس العرب، والمال الإبل، فالمراد حصر الكمال، أي الكامل الإسلام، والجامع خصاله من لم يؤذ مسلمًا بقول ولا فعل إذ أكثر الأفعال تزاول بالأيدي، فأضيفت عامتها إليها، ولا يفهم من هذا أن من ليس بهذه الصفة ليس بمسلم والله أعلم.

وقد تقدم في الحديث الأول جواب آخر دل على أنه صلى الله عليه وسلم أجاب كل واحد من السائلين بما رآه أنفع له وأخص به، وقد يكون ظهر من أحدهما كبر وإمساك وانقباض من الناس، فأجابه بما في الحديث الأول من إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وظهر من الآخر قلة مراعاة ليده ولسانه فأجابه بالجواب الآخر، أو يكون صلى الله عليه وسلم تخوف عليهما ذلك، أو كانت الحاجة في وقت سؤال كل واحد منهما للعامة أمسَّ بما جاوب به كما مر اهـ ع.

قال القرطبي: وجمع في الحديث الأول في جواب السائل بين الإطعام والإفشاء لاجتماعهما في استلزام المحبة الدينية، والألفة الإسلامية، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم" رواه أحمد ومسلم من حديث أبي هريرة، وفيه دليل على أن السلام لا يُقصر على من يعرِفُ بل على المسلمين عامة لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: "السلام شعارٌ لملتنا وأمان لذمتنا" رواه ابن الجوزي في الموضوعات والطبراني في الصغير والكبير، ورد السلام أوكد من ابتدائه، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى في كتاب السلام بأبسط مما هنا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث على اختلاف روايته البخاري (١٢) وأبو داود (٥١٩٤) والنسائي (٨/ ١٠٧) وابن ماجه (٣٢٥٣).

قال النواوي: وفي هذه الأحاديث فوائد من العلم ففيها الحث على الإطعام والجود والاعتناء بنفع المسلمين، والكف عما يؤذيهم بقول أو فعل، بمباشرة أو تسبب، وعن احتقارهم والحث على تآلف قلوب المؤمنين، واجتماع كلمتهم وتوادهم واستجلاب ما يحصل ذلك اهـ وقال بعضهم: وفي اختلاف الجواب عن السؤال الواحد على القول به دليل على أن المصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأعراف حتى في الفتاوى كما ذكره المتأخرون من أنها إذا كانت مبنية على العرف ينبغي أن تتنوع

<<  <  ج: ص:  >  >>