معطوفات ثلاثة واحد على المسلمين والثاني على مسلم والثالث على لسانه ويده والتقدير المسلم الكامل والمؤمن الصادق من سلم المسلمون ومن في حكمهم من يده ولسانه وجميع أعضائه مما يمكن أن يؤذى به حتى قلبه فإنه منهي عن الحقد والحسد للمسلمين، والبغض والغيبة بالقلب والتلذذ بتصور معايبهم واستجلاب حديث النفس والسرور بها وإضمار الشر لهم وما يناسب ذلك من صفات القلب، أي وكان متصفًا بما لا بد منه في تحقيق أصل الإسلام من التصديق والشهادتين ونحوهما، وهذا هو المعطوف الثالث على مسلم.
وفي الحديث أيضًا (إن قيل) بظاهره أن الإذاية المحذورة تختص بالمسلم، فلا حجر في إذاية الكافر ذميًّا أو غيره، ولا في إذاية الحيوان البهيمي (قلت) الحديث خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وقال بعضهم: وجمع جمع المذكر في المسلمين تغليبًا، لأن المسلمات كذلك وخص اللسان لأنه معبر عما في النفس، واليد لأن أكثر الأفعال بها، والمسلمون بالنسبة إلى إذاية اللسان أعم منهم بالنسبة إلى إذاية اليد لأن اللسان يقول في ماضيهم، ومن يأتي ومن في الحال بخلاف اليد، وقد تشاركه اليد الكاتبة في ذلك، وإن إذاية الكتب لعظيمة، ونكتة ذكر اللسان دون القلب ليتناول المستهزئ، قال بعضهم: متممًا له لعله يشير إلى ما جاء في الحديث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا يهوي بها في قعر جهنم" الحديث، وقال بعضهم: ورمز بتقديم اللسان إلى معنى قوله صلى الله عليه وسلم لحسَّان "هَجوك المشركين أشق عليهم من رشق النبل".
وعبارة المفهم هنا قوله "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" أي من كانت هذه حاله كان أحق بهذا الاسم وأمكنهم فيه، ويبين ذلك أنه لا ينتهي الإنسان إلى هذا حتى يتمكن خوف عقاب الله تعالى من قلبه، ورجاء ثوابه فيكسبه ذلك ورعًا يحمله على ضبط لسانه ويده، فلا يتكلم إلا بما يعنيه، ولا يفعل إلا ما يسلم فيه ومن كان كذلك فهو المسلم الكامل والمتقي الفاضل، ويقرب من هذا المعنى بل يزيد عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه، إذ معناه أنه لا يتم إيمان أحد الإيمان التام الكامل حتى يضم إلى سلامة الناس منه إرادته الخير لهم والنصح لجميعهم فيما يحاوله معهم، ويستفاد من حديث الباب أن الأصل في الحقوق النفسية والمالية المنع، فلا يحل شيء منها إلا بوجه شرعي، والله عزَّ وجلَّ أعلم اهـ.