فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَال:"لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ, بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ, إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَو اثْنَانِ"
ــ
كان قبل نزول الحجاب وقبل أن يتقدم لهم في ذلك بأمر ولا نهي غير أن أبا بكر رضي الله عنه أنكر ذلك بمقتضى الغيرة الجبلية والدينية كما وقع لعمر رضي الله عنه في الحجاب ولما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال ما يعلمه من حال الداخلين والمدخول عليها حين قال لم أر منهم إلا خيرًا يعني على الفريقين فإنه علم أعيان الجميع لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم ثم خص رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بالشهادة لها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد برأها) أي قد برأ الله أسماء (من ذلك) أي مما وقع في نفس أبي بكر فكان ذلك منقبة عظيمة من أشرف مناقبها وفضيلة جسيمة من أعظم فضائلها ومع ذلك فلم يكتف بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جمع الناس وصعد المنبر (ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر) فنهاهم عن ذلك وعلمهم ما يجوز منه (فقال لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة) أي على المرأة التي غاب عنها زوجها والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد (إلا ومعه رجل أو اثنان) سدًا لذريعة الخلوة ودفعًا لما يؤدي إلى التهمة، وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم لأن التهمة كانت ترتفع بذلك القدر فأما اليوم فلا يكتفى بذلك القدر بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد وخبث المقاصد، ورحم الله مالكًا لقد بالغ في هذا الباب حتى منع فيه ما يجر إلى بعيد التهم والارتياب حتى منع خلوة المرأة بابن زوجها والسفر معه وإن كانت محرمة عليه لأنه ليس كل أحد يمتنع بالمانع الشرعي إذا لم يقارنه مانع عادي فإنه من المعلوم الذي لا شك فيه أن موقع امتناع الرجل من النظر بالشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه وأخته هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذلك قد أنست به النفس الشهوانية فلا بد مع المانع الشرعي في هذا من مراعاة الذرائع العادية اهـ من المفهم.
وقول القرطبي (ولعل هذا الدخول كان قبل نزول الحجاب) لا يصح لأن أسماء بنت عميس إنما تزوجها أبو بكر رضي الله عنهما يوم حنين كما صرح به الحافظ في