له من كل سوء (يا رسول الله قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف) أي خفت أن يلقي ويرمي (في قلوبكما شرًّا) أي سوء ظن بي (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي أن يقذف في قلوبكما (شيئًا) بدل شرًّا أي شيئًا مما يضر في إيمانكما من سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي: قول الرجلين (سبحان الله) معنى هذه الكلمة في أصلها البراءة لله من السوء لكنها قد كثر إطلاقها عند التعجب والتفخيم أو الإنكار كما قال تعالى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} وكقوله صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن لا ينجس" ومثله كثير وهذا الموضع منها فكأنهما قالا البراءة لله تعالى من أن يخلق في نفوسنا ظن سوء بنبيه صلى الله عليه وسلم ولذلك قال في الرواية الأخرى (ومن كنت أظن به فلم أكن أظن بك) اهـ من المفهم.
وقوله (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) حمله بعضهم على ظاهره فقال إن الله تعالى جعل للشيطان قوة وتمكنًا من أن يرى في باطن الإنسان ومجاري دمه والأكثر على أن معنى هذا الحديث الإخبار عن ملازمة الشيطان للإنسان واستيلائه عليه بوسوسته وإغواثه وحرصه على إضلاله وإفساد أحواله فيجب الحذر منه والتحرز من حيله وسد طرق وسوسته وإغوائه وإن بعدت وقد بين ذلك في آخر الحديث بقوله: "إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا فتهلكا" وخصوصًا في مثل هذا الذي يفضي بالإنسان إلى الكفر فإن ظن السوء والشر بالأنبياء كفر، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: في هذا الحديث من الفقه أن من قال في النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من هذا أو جوزه عليه فهو كافر مستباح الدم.
قوله:(أن يقذف في قلوبكما شرًّا) أي يرمي ومنه القذف أي الرمي والقذافة الآلة التي ترمى بها الحجارة، والشر هنا هو الكفر الذي ذكرناه وهو في غير مسلم فتهلكا أي بالكفر الذي يلزم عن ظن السوء بالنبي صلى الله عليه وسلم وذكر في الرواية الأخرى أنه كان رجلًا واحدًا، فيحتمل أن يكون هذا في مرتين، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على أحدهما بالقول بحضرة الآخر فتصبح نسبة القصة إليهما جمعًا