كما نبه عليه النووي والفتح أفصح وهذه الكلمة صادقة العموم لأنها خبر من الصادق البشير عن الخالق القدير {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ الْلَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} فالداء والدواء خلقه والشفاء والهلاك فعله وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه على ما سبق به علمه فكل ذلك بقدر لا معدل عنه ولا وزر وما أحسن قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي عن أبي خزامة بن يعمر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: "هي من قدر الله" أخرجه الترمذي [٢٠٦٥، ٢١٤٨] وقال: هذا حديث حسن صحيح. وکفي بهذا بيانًا لکن للبصراء لا للعميان اها من المفهم، وربما يستشکل هذا بأن كثيرًا من المرضى يداوون ولا يبرؤون، وأجاب عنه القاضي عياض رحمه الله تعالى بأن عدم البرء إنما يكون لعدم العلم بحقيقة المداواة لا لعدم الدواء وكذلك الأمراض التي يقال فيها إنها ليس لها علاج فإن ذلك لعدم العلم بطريق العلاج لا لأن الدواء غير موجود اهـ (فإذا أصيب) ووفق ووجد (دواء الداء) بالإضافة (برأ) الداء أي زال وانكشف ذلك الداء (بإذن الله عزَّ وجلَّ) وإرادته ومشيئته تعالى، قال القرطبي: ومعناه أن الله سبحانه وتعالى إذا شاء الشفاء يسر دواء ذلك الداء ونبه عليه مستعمله فيستعمله على وجهه وفي وقته فيشفى ذلك المرض وإذا أراد إهلاك صاحب المرض أذهل عن دوائه أو حجبه بمانع يمنعه فهللث صاحبه و کل ذلك بمشيئته وحکمنه کما سبق في علمه، ولقد أحسن من قال من الشعراء في شرح الحال:
والناس يلحون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدور
اهـ من المفهم.
وقال النووي رحمه الله تعالى: في هذا الحديث إشارة إلى استحباب الدواء وهو مذهب أصحابنا وجمهور السلف وعامة الخلق، وفيه رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية وقال كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي، وحجة العلماء هذه الأحاديث ويعتقدون أن الله تعالى هو الفاعل وأن التداوي أيضًا من قدر الله وهذا كالأمر بالدعاء وكالأمر بقتال الكفار وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة مع أن الأجل لا يتغير والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها ولا بد من وقوع المقدرات وقد وردت في الأمر بالتداوي أحاديث كثيرة من أصرحها ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن