نخلًا ثم إنه لما هاجر إلى المدينة تعينت له تلك الأرض فأخبر عنها بعد هجرته إليها بقوله (فإذا هي) أي تلك الأرض التي رأيتها في المنام (المدينة) المنورة (يثرب) بدل من المدينة أو عطف بيان لها أو صفة لها أي المسماة في الجاهلية بيثرب فسماها الله تعالى المدينة وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة لطيب قريحة أهلها وضمائرهم والله أعلم، وإذا فجائية دخلت على الجملة الاسمية والتقدير فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ففاجأني كون تلك الأرض المدينة يثرب، ففيه ما يدل على أن الرؤيا قد تقع موافقة لظاهرها من غير تأويل وأن الرؤيا قبل وقوعها لا يقطع الإنسان بتأويلها وإنما هي ظن وحدس إلا فيما كان منها وحيًا للأنبياء كما وقع لإبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله لابنه {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} فإن ذلك لا يكون إلا عن يقين يحصل لهم قطعًا خلافًا لمن قال من أهل البدع إن ذلك كان منه ظنًّا وحسبانًا وهو قول باطل لأنه لم يكن ليقدم على معصوم قطعًا محبوب شرعًا وطبعًا بمنام لا أصل له ولا تحقيق فيه اهـ من المفهم، ولكن ما رآه صلى الله عليه وسلم في المنام هو أنه سيهاجر إلى أرض بها نخل وكان هذا القدر قطعيًّا لكونه وحيًا وقد وقع ما أخبر به، أما تعيين تلك الأرض فلم يوح إليه في ذلك حينئذ شيء فأولها على طريق الظن والاجتهاد باليمامة أو بهجر فتبين بعد ذلك أنها غيرهما.
قوله (يثرب) وهي اسم قديم للمدينة وقد ورد في الحديث النهي عن تسميتها بيثرب لكراهة لفظ التثريب ولأنه من تسمية الجاهلية فقيل يحتمل أن تسميته صلى الله عليه وسلم في حديث الباب بيثرب كان قبل النهي عنه، وقيل لبيان الجواز وإن النهي للتنزيه لا للتحريم وقيل خوطب به من يعرفها به ولهذا جمع بينه وبين اسمه الشرعي فقال المدينة يثرب اهـ من النووي.
(ورأيت في رؤياى هذه) التي رأيت فيها الهجرة (أني هززت) أي حركت وسللت (سيفًا) أي سيفي ذا الفقار كما في طبقات ابن سعد مرسلًا عن عروة أني حركت وأردت إخراجه من غلافه (فانقطع صدره) أي ظبته ورأسه وطرفه الفوقاني في الغلاف (فإذا هو) أي انقطاع صدر السيف أي تأويله (ما أصيب من المؤمنين) بالقتل والجراح (يوم أحد ثم