أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًّا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كَثُر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه، {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: ٦٣]، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله تعالى أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قد قال:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} وقال {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قال {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} إلى غير ذلك، وهذا الذي ذكره النووي هو في زمانه الذي هو كالنهار المشرق بالنسبة إلى زماننا الذي هو كالليل المظلم، الذي صار فيه الحديد خبثًا، والخبث حديدًا، والذهب نحاسًا، والنحاس ذهبًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والنظام شرعًا، والشرع منسيًّا، وما لنا إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون، ومما يتساهل فيه الناس أن يُرى من يبيع سلعة معيبة ولا ينكر عليه، وقد نص العلماء على أنه يجب أن ينكر عليه، ويُعرَّف المشتري بذلك، ومن كلام الشافعي رحمه الله تعالى: من وعظ أخاه سرًّا نصحه وزانه، ومن نصحه علانية فضحه وشانه، واعلم أن الأجر على قدر النَّصَب، ولا يتاركه أيضًا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقًا ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومُحِبُّه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوَّه من سعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه وإنما كان إبليس عدوًا لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم أن يوفقنا وأحباءنا وجميع المسلمين لمرضاته، وأن يعمنا بجوده ورحمته آمين، وهذا الحديث أعني حديث أبي سعيد الخدري قد شارك المؤلف في روايته أحمد (٣/ ١٠، ٢٠، ٤٩، ٥٤، ٩٢) وأبو داود (١١٤٠) والترمذي (٢١٧٣) والنسائي (٨/ ١١١) وابن ماجه (٤٠١٣).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال: