للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ"

ــ

(ونبي الرحمة) وفي أخرى (المرحمة) وفي أخرى (الملحمة) فأما الرحمة والمرحمة فكلاهما بمعنى واحد ومعنى الرحمة إفاضة النعم على المحتاجين والشفقة عليهم واللطف بهم وقد أعطى الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته منها ما لم يعطه أحدًا من العالمين ويكفي من ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧] فهو أعظم كل رحمة وأمته القابلة لما جاء به قد حصلت على أعظم حظ من هذه الرحمة وشفاعته يوم القيامة لأهل الموقف أعم كل رحمة ولأهل الكبائر أجل كل نعمة وخاتمة ذلك شفاعته في ترفيع منازل أهل الجنة، وأما رواية من روى (نبي الملحمة) فهو صحيح في نعته ومعلوم في الكتب القديمة من وصفه فإنه قد جاء فيها أنه نبي الملاحم وأنه يجيء بالسيف والانتقام ممن خالفه من جميع الأنام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح" رواه أبو يعلى [٣٤٣]، وأبو نعيم في دلائل النبوة [١٥٩] وقال: "أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به" رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي فهو نبي الملحمة التي بسببها عمت الرحمة وثبتت المرحمة اهـ من المفهم، قال الأبي: ووقع في غير مسلم ونبي الملاحم معطوفًا على نبي الرحمة والملاحم جمع ملحمة وهي الحرب ولذلك أورد الخطابي فقال: فإن قيل كيف الجمع بين كونه نبي الرحمة ونبي الملحمة لا سيما مع قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِلْعَالمِينَ (١٠٧)} ومع قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا رحمة مهداة" وأجاب عنه بأن بعثه صلى الله عليه وسلم بالسيف والحرب من وجوه الرحمة لأن الله تعالى أيد رسله صلى الله عليهم وسلم بالمعجزات وجرت عادته تعالى في الأمم السابقة بأنهم إذا كذبوا عوجلوا بالعذاب المستأصل إثر التكذيب واستؤني بهذه الأمة ولم يعاجلوا بالعذاب المستأصل وأُمر بجهادهم ليرتدعوا عن الكفر ولم يجاحوا بالسيف لأن السيف له بقية وليس للعذاب المستأصل بقية، ورُوي أن قومًا من العرب قالوا: يا رسول الله أفنانا السيف، قال: "إنه أبقى لأجركم" هذا معنى الرحمة المبعوث بها صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه الرحمة ما صح أنه صلى الله عليه وسلم جاءه ملك الجبال فقال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، قال: "أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يوحده ولا يشرك به"، ومن وجوهها أيضًا أن الله تعالى وضع على أمته الإصر والأغلال التي كانت على الأمم قبلها كما قال تعالى في قصة موسى - عليه السلام - {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ} إلى قوله تعالى: {الَّتِي كَانَتْ عَلَيهِمْ} اهـ قال القاضي

<<  <  ج: ص:  >  >>