(فبلغ ذلك) أي ترخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر (ناسًا) أي قومًا (من أصحابه فكأنهم) أي فكأن أولئك الناس (كرهوه) أي كرهوا ترخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر (وتنزهوا) أي اجتنبوا وتبرؤوا (عفه) أي عن ذلك الأمر الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم (فبلغه) أي فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي كراهية أولئك الناس ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم وتنزههم منه (فقام) النبي صلى الله عليه وسلم (خطيبًا) على المنبر (فقال) أي قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته: (ما بال رجال) أي ما شأن رجال (بلغهم عني) أي من جهتي (أمر) أي ترخيص أمر (ترخصت فيه) أي حكمت فيه بالترخيص والتسهيل (فكرهوه) أي فكرهوا ذلك الترخيص (وتنزهوا عنه) أي تبرؤوا عن العمل به، وهذا منه صلى الله عليه وسلم عدول عن مواجهة هؤلاء القوم بالعتاب وكانوا معينين عنده لكنه فعل ذلك لغلبة الحياء عليه ولِتلطُّفِه في التأديب ولستْرِ المعاتب، وتنزه هؤلاء عما ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم غَلَط أوقعهم فيه ظن أن المغفور له يُسامح في بعض الأمور ويسقط عنه بعض التكاليف والأمر بالعكس لوجهين أحدهما أن المغفور له يتعين عليه وظيفة الشكر كما قال صلى الله عليه وسلم:"أفلا أكون عبدًا شكورًا" متفق عليه، وثانيهما: أن الأعلم بالله وبأحكامه هو الأخشى له كما قال صلى الله عليه وسلم: (فوالله لأنا أعلمهم) أي أكثرهم علمًا (بالله وأشدهم له خشية).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب من لم يواجه الناس بالعتاب وفي الاعتصام باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلو في الدين والبدع [٧٣٠١] والله أعلم.
ويستفاد من هذا الحديث النهي عن التنطع في الدين وعن الأخذ بالتشديد في جميع الأمور فإن دين الله يسر وهو الحنيفية السمحة فإن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحسب أن تؤتى عزائمه، وحاصل الأمر أن الواجب الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم فما شدد فيه التزمناه على شدته وفعلناه على مشقته وما ترخص فيه