إلَّا أن يُونُسَ قَال: فَكَانَ يَتَّبعُ أَثَرَ الحُوتِ فِي الْبَحْرِ
ــ
تلك الليلة (قال لفتاه) يوشع بن نون: (آتنا غداءنا) لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا (فقال فتى موسى) لموسى (حين سأله) موسى (الغداء أرأيت) أي أخبرني (إذ أوينا إلى الصخرة) أي حين نزلنا عند الصخرة ورقدنا هناك (فإني نسيت الحوت) هناك (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره فقال موسى لفتاه ذلك) أي فقدان الحوت بسبب نسيانك (ما كنا نبغي) ونطلب في سفرنا هذا أي علامة على موضع الرجل الأعلم الذي كنا نطلبه في سفرنا هذا (فارتدا) على رجعا (على آثارهما) وأعقابهما وقصا أي تتبعا آثارهما (قصصًا) أي تتبعا حتى وصلا إلى الصخرة (فوجدا خضرًا) عند الصخرة (فكان من شأنهما) أي من شأن موسى والخضر أي حصل من أمرهما (ما قص الله) سبحانه وأخبر لنا (في كتابه) الكريم من قوله: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ} إلى قوله: {ذَلِكَ تَأْويلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيهِ صَبْرًا}(إلا أن يونس) بن يزيد (قال) أي زاد في روايته بعد قوله: (فارتدا على آثارهما قصصًا) أي زاد لفظة (فكان) موسى (يتبع) أي يطلب (أثر الحوت) ومسلكه (في البحر) وينظر إليه عجبًا منه والله سبحانه وتعالى أعلم.
وذكر الحافظ في الفتح [٨/ ٤٢٢] بعض فوائد مستنبطة من هذا الحديث، منها استحباب الحرص على زيادة العلم والرحلة فيه ولقاء المشايخ وتجشم المشاق في ذلك والاستعانة في ذلك بالأتباع واستخدام الحر وطواعية الخادم لمخدومه وعذر الناس وقبول الهبة من غير مسلم، وأما من استدل به على جواز دفع أغلظ الضرر بأخفها فمقيد بما لا يعارض منصوص الشرع فلا يجوز الإقدام على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل أنفسًا كثيرة قبل أن يقدم على ذلك وإنما فعل ذلك الخضر لإطلاع الله تعالى إياه على ذلك، وفي القصة جواز الإخبار عن التعب وما يلحق بالمرء من مرض أو ألم بشرط أن لا يكون سخطًا من المقدور، ومنها أن المتوجه إلى ربه يُعان فلا يسرع إليه النصب