قال القرطبي: ومن المعلوم القطعي واليقين الضروري أنه حفظ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحفظ أحد من الصحابة وحصل له من العلم ما لم يحصل لأحد منهم لأنه كان الخليل المباطن، والصفي الملازم، لم يفارقه سفرًا ولا حضرًا ولا ليلًا ولا نهارًا ولا شدة ولا رخاء، وإنما لم يتفرغ للحديث ولا للراوية لأنه اشتغل بالأهم فالأهم، ولأن غيره قد قام عنه في الرواية بالمهم.
وإذا تقرر ذلك فاعلم أن الفضائل جمع فضيلة كرغائب جمع رغيبة وكبائر جمع كبيرة مثلًا، وأصلها الخصلة الجميلة التي بها يحصل للإنسان شرف وعلو قدر ومنزلة، ثم ذلك الشرف وذلك الفضل إما عند الخلق وإما عند الخالق، فأما الأول فلا يلتفت إليه إن لم يوصل إلى الشرف المعتبر عند الخالق، فإذًا الشرف المعتبر والفضل المطلوب على التحقيق إنما هو الذي هو شرف عند الله تعالى.
وإذا تقرر هذا فإذا قلنا إن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم فاضل فمعناه أن له منزلة شريفة عند الله تعالى وهذا لا يتوصل إليه بالعقل قطعًا، ولا بد أن يرجع ذلك إلى النقل، والنقل إنما يتلقى من الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك تلقيناه بالقبول، فإن وإن قطعيًّا حصل لنا العلم بذلك، وإن لم يكن قطعيًّا كان ذلك كسبيل المجتهدات، وإذا لم يكن لنا طريق إلى معرفة ذلك إلا بالخبر فلا يقطع أحد بأن من صدرت منه أفعال دينية أو خصال محمودة بأن ذلك قد بلغه عند الله منزلة الفضل والشرف فإن ذلك أمر غيب والأعمال بالخواتيم والخاتمة مجهولة والوقوف على المجهول مجهول، لكنا إذا رأينا من أعانه الله تعالى على الخير ويسر له أسباب الخير رجونا له حصول تلك المنزلة عند الله تعالى تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله في الخير ووفقه لعمل صالح" رواه أحمد [٤/ ١٣٥] والترمذي [٢١٤٢].
وبما جاء في الشريعة من ذلك ومن كان كذلك فالظن أنه لا يخيب ولا يقطع على المغيب، وإذا تقرر هذا فالمقطوع بفضله وأفضليته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة وهو الذي يقطع به من الكتاب والسنة أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ولم يختلف في ذلك أحد من أئمة السلف ولا الخلف ولا مبالاة بأقوال أهل الشيع ولا