فإن عمر بن الخطاب منهم) أي فهو عمر بن الخطاب (قال ابن وهب) بالسند السابق: (تفسير محدثون) ومعناه أي (ملهمون) من الله تعالى الصواب والحق في روعهم فيتكلمون به قبل وقوعه فيقع كما قالوا.
وقوله:(فإن يكن في أمتي أحد منهم فعمر) دليل على قلة وقوع هذا وندوره، وعلى أنه ليس المراد بالمحدثين المصيبين فيما يظنون لأن هذا كثير في العلماء والأئمة الفضلاء بل وفي عوام الخلق كثير ممن يقوى حديثه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية عمر رضي الله عنه بذلك، ومعنى هذا الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعًا هان كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم فيه بالوقوع ولا صرح فيه بالإخبار لأنه إنما ذكره بصيغة الشرط، وقد دل على وقوع ذلك لعمر حكايات كثيرة عنه كقصة "الجبل يا سارية" ذكر هذه القصة ابن حجر في الإصابة [٣/ ٥٣] وعزاها للواقدي وسيف بن عمر وغيرهما، وأصح ما يدل على ذلك شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك كما رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما نزل بالناس أمر قط قالوا فيه وقال فيه عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال فيه عمر. رواه الترمذي [٣٦٨٢] وقال: هذا حديث حسن صحيح، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث .. الحديث، وقد ادعى هذا الحال كثير من أهل المحال -الكيد والمكر- لكن تشهد بالفضيحة شواهد صحيحة.
وقد فسر ابن وهب المحدثين بالملهمين أي يحدثون في ضمائرهم بأحاديث صحيحة هي من نوع الغيب فيظهر على نحو ما وقع لهم، وهذه كرامة يكرم الله تعالى بها من يشاء من صالحي عباده، ومن هذا النوع ما يقال عليه فراسة وتوسم كما قد رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ثم قرأ قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)} [الحجر: ٧٥] رواه الترمذي [٣١٢٧] اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [٦/ ٥٥] والترمذي [٣٦٩٣] والنسائي في الكبرى [٨١٢٠].