للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصنف الثالث: المكي (أهل مكة أو أهل الحَرَم)

وفيه مطلبان:

المطلب الأول، ميقات المكي للعمرة هو الحِل:

اتَّفق أهل العلم على أن مَنْ أراد أن يعتمر من مكة، فإنه يُحْرِم من الحِل؛ وذلك لِما ورد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ، وَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ (١).

ولو كان الإهلال من مكة بالعمرة سائغًا، لأَمَرها بالإهلال من مكة.

ولكن يُشْكِل عليه حديث ابن عباس قال: إِنَّ النَّبِيَّ وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ … وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ (٢). فظاهره يدل على أن أهل مكة يُهِلون من مكة للحج والعمرة (٣).


(١) أخرجه البخاري (١٧٨٤)، ومسلم (١٢١٢).
فالحديث صريح في أن خروج عائشة إلى التنعيم لعمرتها بأمر رسول الله .
ولكن يُشْكِل عليه أنه قد وردت رواية مضادة! قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاللَّهِ مَا قَالَ: فَتُخْرِجُهَا إِلَى الْجِعِرَّانَةِ، وَلَا إِلَى التَّنْعِيم. أخرجها أحمد (٢٦٠٨٥). وفيه أن عائشة أقسمت أن النبي لم يأمر بإخراجها إلى التنعيم. وهذه الرواية منكرة لمخالفتها رواية الأثبات الثقات، أن عائشة أحرمت لعمرتها من التنعيم بأمر رسول الله ، كما في «الصحيحين» وغيرهما.
قال ابن حجر: فهذه رواية ضعيفة؛ لضَعْف أبي عامر الخراز. «فتح الباري» (٣/ ٦٠٧).
و (الجِعرانة): موضع كان بئرًا، وبه اليوم بساتين، ومسجد يقع على بُعد ستة وعشرين كيلو تقريبًا، شمال شرقي مكة، وقَسَّم به الرسول الغنائم في غزوة حُنَيْن. «معجم الأمكنة» (ص: ١٤٨).
(٢) أخرجه البخاري (١٥٢٤)، ومسلم (٢٧٧٤).
(٣) وظاهر صنيع البخاري أنه يَرى أن أهل مكة يُهِلون من مكة للعمرة، ولا يَخرجون للحِل؛ ولذا قال: (بَابُ مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالعُمْرَةِ) ثم ساق بسنده الحديث، وفيه: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ».
وأَجيبَ عن الاستدلال بحديث عبد الرحمن، بأن النبي أَمَر عائشة أن تَخرج إلى الحِل للإهلال بالعمرة؛ لأنها آفاقية، وليست من أهل مكة.
ونوقش هذا الجواب: بأن حديث ابن عباس- وفيه: «هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ» - يدل على أن مَنْ مَر بميقات لغيره، كان ميقاتًا له، فيَكُون ميقاتُ أهل مكة في عُمرتهم هو ميقاتَ عائشة في عُمْرتها; لأنها صارت معهم عند ميقاتهم.

<<  <   >  >>