فالحديث صريح في أن خروج عائشة إلى التنعيم لعمرتها بأمر رسول الله ﷺ. ولكن يُشْكِل عليه أنه قد وردت رواية مضادة! قَالَتْ عَائِشَةُ: فَوَاللَّهِ مَا قَالَ: فَتُخْرِجُهَا إِلَى الْجِعِرَّانَةِ، وَلَا إِلَى التَّنْعِيم. أخرجها أحمد (٢٦٠٨٥). وفيه أن عائشة أقسمت أن النبي ﷺ لم يأمر بإخراجها إلى التنعيم. وهذه الرواية منكرة لمخالفتها رواية الأثبات الثقات، أن عائشة أحرمت لعمرتها من التنعيم بأمر رسول الله ﷺ، كما في «الصحيحين» وغيرهما. قال ابن حجر: فهذه رواية ضعيفة؛ لضَعْف أبي عامر الخراز. «فتح الباري» (٣/ ٦٠٧). و (الجِعرانة): موضع كان بئرًا، وبه اليوم بساتين، ومسجد يقع على بُعد ستة وعشرين كيلو تقريبًا، شمال شرقي مكة، وقَسَّم به الرسول الغنائم في غزوة حُنَيْن. «معجم الأمكنة» (ص: ١٤٨). (٢) أخرجه البخاري (١٥٢٤)، ومسلم (٢٧٧٤). (٣) وظاهر صنيع البخاري أنه يَرى أن أهل مكة يُهِلون من مكة للعمرة، ولا يَخرجون للحِل؛ ولذا قال: (بَابُ مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالعُمْرَةِ) ثم ساق بسنده الحديث، وفيه: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ». وأَجيبَ عن الاستدلال بحديث عبد الرحمن، بأن النبي ﷺ أَمَر عائشة أن تَخرج إلى الحِل للإهلال بالعمرة؛ لأنها آفاقية، وليست من أهل مكة. ونوقش هذا الجواب: بأن حديث ابن عباس- وفيه: «هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ» - يدل على أن مَنْ مَر بميقات لغيره، كان ميقاتًا له، فيَكُون ميقاتُ أهل مكة في عُمرتهم هو ميقاتَ عائشة في عُمْرتها; لأنها صارت معهم عند ميقاتهم.