للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فدل ذلك على أنه لولا اشتراط تقدم الطواف على السعيِ، لَفَعَلَتْ في السعيِ ما فَعَلَتْ في غيره من المناسك؛ فإنه يَجوز لها السعي من غير طهارة (١).

وَقَالَ ابْن عُمَرَ: تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، إِلَّا الطَّوَافَ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (٢).

والراجح: ما ذهب إليه جماهير العلماء، من تقديم السعي على الطواف؛ لأن رسول الله لم يَسْعَ قط إلا عَقيب الطواف. ولو جاز للسعي أن يتقدم الطواف، لفَعَله ولو مرة لبيان الجواز؛ لأن العبادات توقيفية.

أما ما ورد أن النبي سُئل عن رجل بدأ بالصفا والمروة قبل أن يَطُوف بالبيت، فقال : «يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَا حَرَجَ» فضعيف.

الشرط الثاني:

استيعاب ما بين الصفا والمروة. وفيه مطلبان:

المطلب الأول: يُشترط في صحة كل شوط من أشواط السعي- قَطْع جميع المسافة بين الصفا والمروة. فإن لم يَقطعها كلها لم يصح، فلو بقي بعض خطوة لم يصح سعيه، فإِنْ صَعِد فهو الأكمل. وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (٣).

واستدلوا بفعل النبي ، وقد قال: «لتأخذوا مناسككم» وهكذا عَمِلَتِ الصحابة فمَن بَعْدهم، وأن المسافة للسعي محددة مِنْ قِبل الشرع، والنقص عن الحد مُبطِل للسعي.


(١) قال ابن دقيق العيد: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ السَّعْيَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ. فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا لَزِمَ مِنْ تَأْخِيرِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ تَأْخِيرُ السَّعْيِ؛ إِذْ هِيَ قَدْ فَعَلَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، فَلَوْلَا اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ الطَّوَافِ عَلَى السَّعْيِ، لَفَعَلَتْ فِي السَّعْيِ مَا فَعَلَتْ فِي غَيْرِهِ. «إحكام الأحكام» (٢/ ٨٨).
(٢) إسناده صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة (١٤٥٦٥): عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، به.
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٣). وقال الحَطَّاب: مَنْ تَرَكَ مِنَ السَّعْيِ شَيْئًا، وَلَوْ ذِرَاعًا، يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ. «مواهب الجليل» (٣/ ٨٤). وقال النووي: أنْ يقْطَعَ جَمِيعَ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ، فَلَوْ بقِيَ مِنْهَا بَعْضُ خُطْوَةٍ لَمْ يَصِح سَعْيُهُ. «الإيضاح» (ص: ٢٥٦). وقال ابن قُدامة: وَلَوْ تَرَكَ ذِرَاعًا، لَمْ يُجْزِئْهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ. «المغني» (٥/ ٢٣٦).

<<  <   >  >>