للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش بأن المراد برفع القلم رَفْع الإثم، وليس إبطال ما يفعله من خير، فقد يُؤْجَر على الصدقة والحج. وبأنه إذا كان لا يُكْتَب عليه سيئات، فلا مانع أن يُكْتَب له حسنات.

واستدلوا بأن الصبي غير المُميِّز لا نية له، فكيف ينعقد إحرامه؟!

ونوقش بأن النية لا تَلزمه، بل تَسقط عنه لعدم الاستطاعة، ويَنوي عنه الولي، كالزكاة.

والراجح: أنه يصح حج الصبي المُميِّز وغير المُميِّز؛ لِما صح أن امرأة رَفَعَتْ صبيًّا لرسول الله فقالت: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» (١).

المبحث الثاني: حج الصبي قبل البلوغ لا يجزئه عن حَجة الإسلام:

أَجْمَع أهل العلم على سقوط فرض الحج عن الصبي حتى يَبلغ؛ فإِنْ حَجَّ الصبي قبل البلوغ لم يجزئه عن حجة الإسلام، وتجب عليه حجة أخرى إذا بَلَغ (٢).

وَفِي قَوْلِ الرَّسُولِ : «رُفِعَ القَلَمُ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ حَجَّ الصَّبِيِّ تَطَوُّعٌ، وَلَمْ يُؤَدِّ بِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ مُحَالٌ أَنْ يُؤَدِّيَ فَرْضًا مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْفَرْضُ (٣).

[المبحث الثالث: ما يفعله الصبي بنفسه من أعمال الحج، وما يفعله عنه وليه]

ما يفعله الصبي من أعمال الحج على قسمين:

القسم الأول: ما يَقدر عليه الصبي بنفسه، كالوقوف بعرفة والمبيت بمُزدلِفة ومِنًى، فإنه يَلزمه فعله، ولا تَجوز فيه النيابة. ومعنى لزوم فعله أنه لا يصح أن يُفْعَل عنه لعدم الحاجة إليه، لا بمعنى أنه يأثم بتركه لأنه غير مكلف.


(١) قال ابن عبد البر: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُحَجُّ بِالصِّبْيَانِ. وَهُوَ قَوْلٌ لَا يُشْتَغَلُ بِهِ وَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ حَجَّ بِأُغَيْلِمَةِ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَحَجَّ السَّلَفُ بِصِبْيَانِهِمْ. وَقَالَ فِي الصَّبِيِّ: «لَهُ حَجٌّ» وَلِلَّذِي يَحُجُّهُ أَجْرٌ، يَعْنِي بِمَعُونَتِهِ لَهُ وَقِيَامِهِ فِي ذَلِكَ بِهِ، فَسَقَطَ كُلُّ مَا خَالَفَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ. «التمهيد» (١/ ١٠٣).
(٢) نَقَل الإجماع على عدم إجزاء الحج إلا بالبلوغ: ابن المنذر في «الإجماع» (ص: ٧٣)، والترمذي في «السُّنن» (٢/ ٢٣٣). وقال ابن عبد البر: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ حَجَّ صَغِيرًا قَبْلَ الْبُلُوغِ، أَوْ حُجَّ بِهِ طِفْلًا، ثُمَّ بَلَغَ، لَمْ يُجِزْهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. «الاستذكار» (٤/ ٣٩٨).
وقد حُكي في هذه المسألة خلاف شاذ عن فِرقة لم يَلتفت العلماء إلى قولها، قال القاضي عياض: وأجمعوا أنه لا يجزئه إذا بَلَغ من الفريضة، إلا فِرقة شذت، فقالت: إنه يجزئه. ولم يَلتفت العلماء إلى قولها. «إكمال المُعْلِم» (٤/ ٤٤٢)، ويُنظَر «الاستذكار» (٤/ ٣٩٩).
(٣) «التمهيد» (١/ ١٠٨).

<<  <   >  >>