للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم: فَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: «إِنَّ النَّبِيَّ اعْتَمَرَ أَرْبَعًا، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ» فَوَهْمٌ مِنْهُ ، قَالَتْ عائشة لَمَّا بَلَغَهَا ذَلِكَ عَنْهُ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ عُمْرَةً قَطُّ إِلَّا وَهُوَ شَاهِدٌ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ» (١).

المبحث السادس: نَوْع النسك الذي أَهَلَّتْ به أُم المؤمنين عائشة:

اختَلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: أن عائشة حجت قارنة. وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.

واستدلوا بأن النبي قال لعائشة يوم النفر: «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» (٢).

واستدلوا أيضًا بأنه قال لعائشة بعد ما وَقَفَتِ المواقف، حتى إذا طَهَرَتْ طافت بالكعبة والصفا والمروة: «قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» (٣).

فهذان لفظان صريحان في أن عائشة كانت قارنة.

القول الآخَر: أن عائشة حجت مُفرِدة. وهذا مذهب الحنفية.

واستدلوا بما روى مسلم عن عائشة، وفيه: «كُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ: «ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالحَجِّ» فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الحَصْبَةِ، أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي (٤).

دل هذا الحديث على أن عائشة حجت مُفرِدة من أربعة أوجه:

الوجه الأول: «ارْفُضِي عُمْرَتَكِ» اتركي عمرتك، وتَحَلَّلِي منها، وأَهِلي بالحج مُفرِدة.

ونوقش بأن معنى الرفض هنا تَرْك أعمال العمرة والإمساك عنها، من طواف وسعي، لا رَفْض الإحرام بالعمرة رأسًا والانتقال إلى حج مفرد؛ إذ لو كان المراد برفض العمرة إلغاؤها، لَمَا قال النبي لعائشة يوم النفر: «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» فهذا


(١) «زاد المعاد» (٢/ ٨٨).
(٢) رواه مسلم (١٢١١).
(٣) رواه مسلم (١٢١٣).
(٤) البخاري (١٧٨٣).

<<  <   >  >>