للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلوا بما ورد عن بْنَ عُمَرَ أَنَّه كَانَ إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ، حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى، وَكَانَ لَا يَرْمُلُ إِذَا طَافَ حَوْلَ الْبَيْتِ، إِذَا أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ. (١).

القول الآخَر: أنه يُشْرَع الرَّمَل لأهل مكة، إذا كان الطواف يعقبه سعي. وبه قال الحنفية والشافعية (٢).

والراجح: عدم مشروعية الرَّمَل لأهل مكة؛ لثبوت ذلك عن ابن عمر. ولأن الرَّمَل يُستحب في طواف القدوم، وأهل مكة ليس عليهم طواف قدوم. والله أعلم.

المطلب الخامس: حُكْم الرَّمَل مع الازدحام الشديد:

ذهب جمهور العلماء إلى أنه إذا ازدحم المَطاف، فإنه تَسقط عنه هذه السُّنة. وذهب الشافعية إلى استحباب التحرك في المشي إذا تَعَذَّرَ الرَّمَل، فإن كان الزحام بالقرب من الكعبة، فالأفضل أن يَخرج إلى حاشية المطاف ليتمكن من إقامة سُنة الرَّمَل (٣).

السُّنة الرابعة: استلام الحَجَر الأسود في بداية الطواف: وفيه تسعة مطالب:

المطلب الأول: فَضْل الحَجَر الأسود، وفَضْل تقبيله:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «نَزَلَ الحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الجَنَّةِ، وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ» (٤).


(١) إسناده صحيح: أخرجه مالك في «الموطأ» (١٠٦٢) عن نافع، عن ابن عمر، به.
(٢) «بدائع الصنائع» (٣/ ١٢٠)، و «المجموع» (٨/ ٢٥٨).
(٣) «المجموع» (٨/ ٤٣)، و «شرح العمدة» (٢/ ٤٤٣).
(٤) ضعيف: فمدار الحديث على سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس. ورُوي عن سعيد من طريقين:
الأول: يرويه عطاء بن السائب: فرواه جَرير بن عبد الحميد عند الترمذي (٨٧٧)، وحماد بن سلمة عند أحمد (٢٧٩٥) وزياد بن عبد الله، عند ابن خُزيمة. ثلاثتهم عن عطاء، به.
وفي هذا الطريق علتان:
الأولى: فيه عطاء، وقد اختَلَط، وجَرير وزياد ممن سَمِع منه بعد اختلاطه. «فتح الباري» (٣/ ٤٦٢).
واختُلف في سماع حماد بن سلمة من عطاء: فقيل: سَمِع منه قبل الاختلاط. وقيل: بعده.
قال العُقيلي: قُلْتُ لِيَحْيَى: وَكَانَ أَبُو عَوَانَةَ حَمَلَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ؟ فَقَالَ: كَانَ لَا يَفْصِلُ هَذَا مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ. «الضعفاء الكبير» (٣/ ٣٩٩).
العلة الثانية: قال أحمد: كان عطاء يَرفع عن سعيد بن جُبير أشياء لم يكن يرفعها. وقال أبو حاتم: رَفَع أشياء عن الصحابة كان يرويها عن التابعين.
الطريق الثاني: رواه ابن خُثَيْم، عن سعيد بن جُبَيْر، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ فِي الحَجَرِ: «وَاللهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، يَشْهَدُ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ» أخرجه الترمذي (٩٦١)، وأحمد (٢٢١٥). وفي إسناده عبد الله بن خُثَيْم، وهو لا يَتحمل مثل هذا المتن.
ورواه ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس، مرفوعًا. أخرجه الطبراني في «الكبير» (١١٣١٤). وهذا إسناد ضعيف؛ لضَعْف ابن أبي ليلى وسوء حفظه.
وله شواهد عن أنس بن مالك وابن عباس وعبد الله بن عمرو، ولا يصح منها حديث.

<<  <   >  >>