للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استدبرتُ، ما سُقْتُ الهَدْي، ولجَعلتُها عُمرة» ولا كان مُفرِدًا؛ لأن الهَدْي كان معه واجبًا، وذلك لا يكون إلا للقارن، ولأن الروايات الصحيحة تواترت بأنه قد قَرَنهما جميعًا (١).

[المبحث الرابع: أفضل الأنساك]

التمتع أفضل الأنساك لمَن لم يَسُق الهَدْي. وهو قول للشافعي، وبه قال الحنابلة (٢).

واستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦].

وَجْه الدلالة: أن التمتع منصوص عليه في كتاب الله تعالى دون سائر الأنساك.

واستدلوا بأن التمتع أفضل لكَوْنه تَمَنَّاهُ.

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الهَدْيَ، وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا» (٣).

واستدلوا بأن المتمتع يَجتمع له الحج والعمرة، على وجه اليسر والسهولة، فهو أفضل من الإفراد، وأن التمتع أسهل من القِران لِما فيه من التحلل بين العمرة والحج.

وقد تضافرت الأحاديث عن النبي أنه أَمَر أصحابه في حجة الوداع، لما طافوا بالبيت وبالصفا، أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا مَنْ ساق الهَدْي. وهو لا يَنقلهم إلا لِما هو أفضل لهم، ولولا أن التمتع هو الأفضل لَمَا تَأسَّف عليه النبي ، ولَمَا تمنى أنه لم يَسُق الهدي حتى يحل مع الناس متمتعًا.

[المبحث الخامس: تعيين أحد الأنساك]

يُستحَب أن يُعيِّن ما يُحْرِم به من الأنساك عند أول إهلاله؛ لأن الحج عبادة، والتعيين هو الأصل في العبادات. وبه قال المالكية، والشافعية في الصحيح عنهم، والحنابلة (٤).

واستدلوا بأن النبي أُمِرَ أن يُعيِّن نُسكه، فقال النبي بوادي العقيق: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي، فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الوَادِي المُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ» (٥).


(١) «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (١١/ ١٧١).
(٢) «الحاوي» (٤/ ٤٤)، و «المجموع» (٧/ ١٥٠)، و «المُحَلَّى» (٧/ ١٠١)، و «المغني» (٥/ ٨٢).
(٣) رواه البخاري (١٧٨٥)، ومسلم (١٢١٨).
(٤) «الذخيرة» (٣/ ٢٢١)، و «المجموع» (٧/ ٢٢٧)، و «الفروع» (٥/ ٣٢٨).
(٥) رواه البخاري (١٥٣٤).

<<  <   >  >>