للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثاني: حد المسعى العلوي.

أي: هل لا بد من الصعود على الجبلين كجزء من السعي الواجب؟

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أن صعود الصفا والمروة سُنة مُؤكَّدة، ولا يجب صعود أي جزء منهما، بل الواجب استيعاب ما بين الصفا والمروة سعيًا. وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة، والصحيح عند الشافعية (١).

واستدلوا بالكتاب والسُّنة والمأثور:

أما الكتاب، فاستدلوا بعموم قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨] فالمطلوب من الساعي أن يطوف بهما، فمَن سَعَى بينهما ولم يصعد أحدهما، فقد أتى بما أُمِر به.

وأما السُّنة، فَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «طَافَ النَّبِيُّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» فقد سَعَى راكبًا، ولا يمكن للراكب أن يَصعد جبل الصفا؛ مما يدل على عدم وجوب الصعود.

وأما المأثور، فَعَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُومُ فِي حَوْضٍ فِي أَسْفَلِ الصَّفَا، وَلَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ (٢).

قال ابن المُلقِّن: اشتهر السعي من غير رقي على الصفا عن عثمان وغيره من الصحابة، من غير إنكار (٣).

القول الآخَر: أن الصعود على الصفا قَدْر قامة الرجل. وهو وَجْه عند الشافعية (٤).

والراجح: أن صعود الصفا والمروة سُنة مُؤكَّدة، ولا يجب صعود أي جزء منهما، بل الواجب استيعاب ما بين الصفا والمروة سعيًا. وعلى هذا فحد ما بين الصفا والمروة في


(١) «المبسوط» (٤/ ٥١)، و «المُدوَّنة» (٢/ ٤٠٩)، و «المجموع» (٨/ ٦٩)، و «المغني» (٥/ ٢٣٥).
(٢) ضعيف أُعِلَّ بالانقطاع: أخرجه الشافعي في «الأم» (٣/ ٥٤٥) عن ابن جُرَيْج، عن ابن أبي نَجِيحٍ، به.
(٣) «البدر المنير» (٦/ ٣١٠).
(٤) «المجموع» (٨/ ٧٥)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٩٠).

<<  <   >  >>