للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثامن:

حُكْم التيامن في حلق الرأس:

يُستحَب التيامن في حلق الرأس، فيُقدَّم الشق الأيمن ثم الشق الأيسر، بالإجماع (١).

وروى مسلم: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللهِ الْجَمْرَةَ، وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ؛ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الأَيْسَرَ فَقَالَ: «احْلِقْ» فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ» (٢).


(١) قال ابن قُدامة: السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. «المغني» (٥/ ٣٠٣).
وهذا الإجماع منخرم؛ فقد ذهب الحنفية إلى أن العبرة بيمين الحَلَّاق. «فتح القدير» (٢/ ٤٨٩).
(٢) أخرجه مسلم (١٣٠٥). وظاهر هذه الرواية يدل على أن نصيب أبي طلحة من شعر رسول الله كان شقه الأيمن، وأن الأيسر قَسَّمه فيمن يليه.
ويُشكل عليه حديث أنسٍ الآخَر، الذي فيه أن نصيب أبي طلحة كان شقه الأيسر. وهذه الرواية ضد الرواية الأولى، وهي عند مسلم (١٣٠٥): فَحَلَقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَقَسَمَهُ فِيمَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «احْلِقِ الشِّقَّ الآخَرَ» فَقَالَ: «أَيْنَ أَبُو طَلْحَةَ؟» فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
وفي رواية ثالثة أنه أعطى الجانب الأيسر لأم سُلَيْم. وهذا خلاف ثالث، فعند مسلم (١٣٠٥): ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَلَّاقِ وَإِلَى الْجَانِبِ الأَيْسَرِ، فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّ سُلَيْمٍ.
وقال المحب الطبري: والصحيح أن الذي وزعه على الناس الشق الأيمن، بين الناس، وأعطى الأيسر أبا طلحة أو أُم سُليم، ولا تضاد بين الروايتين؛ لأن أُم سُليم امرأة أبي طلحة، فأعطاه لهما، فنُسبت العطية تارة إليه وتارة إليها. «مرعاة المفاتيح» (٩/ ٢٦٢).
وعند البخاري (١٧١): أَنَّ رَسُولَ اللهِ لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ، كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ.
وقال ابن القيم: وهذا لا يناقض رواية مسلم؛ لجواز أن يصيب أبا طلحة من الشق الأيمن مثل ما أصاب غيره، ويختص بالشق الأيسر. «زاد المعاد» (٢/ ٢٤٨).
قال الحافظ: ولا تَناقُض في هذه الروايات، بل طريق الجَمْع بينها أنه ناول أبا طلحة كلًّا من الشقين، فأما الأيمن فوَزَّعه بأمره، وأما الأيسر فأعطاه لأُم سُليم زوجته، بأمره أيضًا. «فتح الباري» (١/ ٢٧٤).

<<  <   >  >>