للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحنفية في قول، والمالكية والشافعية والحنابلة (١).

واستدلوا بأن الله أَمَر بالطواف بقوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] وقد طاف النبي جاعلًا البيت عن يساره، وهو المُبَيِّن لِما أُنْزِلَ إليه. ولو كان يجوز أن يُجْعَل البيت عن يمين الطائف، لفَعَله النبي ولو مرة لبيان الجواز، فلما لم يَفعل عُلِم أن جعل البيت عن يسار الطائف شرط لصحة الطواف (٢).

[الشرط الرابع: أن يكون الطواف حول البيت]

دل على هذا الشرط قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩]، المأمور به الطواف حول البيت، فإذا مَرَّ مِنْ داخل الحِجْر، فلا يجزئ لأنه طواف من داخل البيت.

رَوَى أبو داود عن عائشة قالت: كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّيَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ بِيَدِي، فَأَدْخَلَنِي فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ: «صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ قطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ، فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ» (٣).

قال ابن قُدامة: فَمَنْ تَرَكَ الطَّوَافَ بِالْحِجْرِ، لَمْ يَطُفْ بِجَمِيعِ الْبَيْتِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الطَّوَافَ بِبَعْضِ الْبِنَاءِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ طَافَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَقَدْ قَالَ : «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (٤).


(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٠)، و «مواهب الجليل» (٣/ ٦٩)، و «المجموع» (٨/ ١٤)، و «المغني» (٣/ ٢٣).
وذهب الحنفية إلى أن جعل البيت عن يسار الطائف واجب، وليس شرطًا، «قتح القدير» (٢/ ١٣٠).
وذهب داود الظاهري إلى أنه سُنة. واستَدل بعموم الآية: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] سواء جَعَل البيت عن يساره أو يمينه.
(٢) قال ابن تيمية: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الطَّائِفَ يَبْتَدِئُ فِي مُرُورِهِ بِوَجْهِ الْكَعْبَةِ، فَإِذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ أَخَذَ إِلَى جِهَةِ يَمِينِهِ، فَيَصِيرُ الْبَيْتُ عَنْ يَسَارِهِ وَيُكْمِلُ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ. وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْعَامِّ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، الَّذِي تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ عَنْ نَبِيِّهَا، وَتَوَارَثَتْهُ فِيمَا بَيْنَهَا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وَهُوَ مِنْ تَفْسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩]، كَمَا فَسَّرَ أَعْدَادَ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتِهَا. «شرح العمدة» (٢/ ٤٣٩).
(٣) «سُنن أبي داود» (٤/ ٩١).
(٤) «المغني» (٥/ ٢٣٠). وقال النووي: واستدلوا بأن النَّبِيَّ طَافَ خَارِجَ الْحِجْرِ، وَهَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الطَّوَافِ خَارِجَ الْحِجْرِ. فَالْمُعْتَمَدُ الِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ ، فَوَجَبَ الطَّوَافُ بِجَمِيعِهِ. «المجموع» (٨/ ٢٥).

<<  <   >  >>