للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهَا: «يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَرْجِعُ بِحَجٍّ؟!» أَيْ: يَرْجِعُونَ بِحَجٍّ مُنْفَرِدٍ وَعُمْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ، وَأَرْجِعُ أَنَا وَلَيْسَ لِي عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ. وَإِنَّمَا حَرَصَتْ عَلَى ذَلِكَ لِتُكْثِرَ أَفْعَالَهَا. وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: (الْقِرَانُ أَفْضَلُ) وَلَيْسَ عُمْرَةَ القِرَانِ.

الوجه الرابع الذي يؤيد أن عائشة حجت مُفرِدة، ثم اعتمرت من التنعيم: أنها قالت: «فَقَضَى اللهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ» إذ لو كانت قارنة أو متمتعة، لكان عليها هَدْي.

ونوقش بأن هذه الجملة مدرجة من قول عروة، وليست من قول عائشة (١).

واستدلوا بأن عائشة حجت مفردة بقولها: «لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ» (٢).

ونوقش بأن المراد بقولها: «لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ» أن مَنْ خرج مُفرِدًا أو متمتعًا أو قارنًا، فإنه يَصدق عليه أنه لبى للحج، أو أن بعض أصحاب النبي أحرموا في أول الأمر بالحج وحده، حتى أَمَر النبي مَنْ لم يكن معه هَدْي منهم بفسخ حجه في عمرة لما كانوا بمكة.

فالراجح: أن عائشة حجت قارنة، والله أعلم.

المبحث السابع: تَكرار العمرة، أو حُكْم عمرة التنعيم:

اتَّفق العلماء على مشروعية العمرة والإكثار منها، واختلفوا في إطلاق ذلك على قولين:

القول الأول: أنها مُطْلَقة في كل وقت. وهو مذهب الحنفية والشافعية والظاهرية (٣).

واستدلوا بعمومات الأدلة التي تُرغِّب في الإكثار من العمرة، ولم تُقيِّد.

قال ابن عبد البر: وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ بِرٍّ وَخَيْرٍ، فَلَا يَجِبُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ أَمْنَعَ مِنْهُ، بَلِ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الْحَجِّ: ٧٧] (٤).


(١) وقد سبق تفصيل ذلك في باب الهَدْي.
(٢) رواه مسلم (١٢١١).
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٢٧)، و «المُحَلَّى» (٧/ ٦٩).
(٤) «الاستذكار» (٤/ ١١٣). وقال النووي: وَلَا يُكْرَهُ عُمْرَتَانِ وَثَلَاثٌ وَأَكْثَرُ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا. «المجموع» (٧/ ١٤٧).

<<  <   >  >>