للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تصريح بأن عمرتها باقية صحيحة مُجْزِئة، وأنها لم تُلْغِها (١).

الوجه الثاني: أن النبي قال لعائشة بعد أمرها برفض عمرتها: «وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالحَجِّ» فهذا دليل على أنها خرجت من عمرتها وألغتها.

ونوقش بأن نقض الشعر والامتشاط للمُحْرِم لا يَلزم منه إبطال العمرة، بل فيه دليل على أنه يَجوز للمُحْرِم أن يمشط شعره، ولكن يكون امتشاطًا رفيقًا لا يَقطع الشَّعر.

الوجه الثالث: قول عائشة: فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي.

فهذا يدل على أن عمرتها من التنعيم كانت قضاء لتلك العمرة التي رفضتها؛ فإن عمرتها الأولى لو كانت باقية لم تكن عمرة التنعيم مكانها، بل كانت عمرة مستقلة.

ونوقش بما قاله النووي: وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، لَمَّا مَضَتْ مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَن لِيُعْمِرهَا مِنَ التَّنْعِيم: «هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ» فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ لَهَا عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ عَنِ الْحَجِّ، كَمَا حَصَلَ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرهنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ، الَّذِينَ فَسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ، وَأَتَمُّوا الْعُمْرَةَ وَتَحَلَّلُوا مِنْهَا قَبْل يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّة يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَحَصَلَ لَهُمْ عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَحَجَّةٌ مُنْفَرِدَةٌ.

وَأَمَّا عَائِشَةُ، فَإِنَّمَا حَصَلَ لَهَا عُمْرَةٌ مُنْدَرِجَةٌ فِي حَجَّةِ بِالْقِرَانِ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ يَوْمَ النَّفْرِ: «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» أَيْ: وَقَدْ تَمَّا وَحُسِبَا لَكِ جَمِيعًا. فَأَبَتْ وَأَرَادَتْ عُمْرَةً مُنْفَرِدَةً، كَمَا حَصَلَ لِبَاقِي النَّاس، فَلَمَّا اعْتَمَرَتْ عُمْرَةً مُنْفَرِدَةً، قَالَ لَهَا النَّبِيُّ : «هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ» أَيْ: الَّتِي كُنْتِ تُرِيدِينَ حُصُولَهَا مُنْفَرِدَةً غَيْرَ مُنْدَرِجَةٍ، فَمَنَعَكِ الْحَيْضُ مِنْ ذَلِكَ.


(١) قال النووي: وَقَوْلُهُ : «ارْفُضِي عُمْرَتَكِ» لَيْسَ مَعْنَاهُ إِبْطَالَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَالْخُرُوجَ مِنْهَا؛ فَإِنَّ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِالتَّحَلُّلِ بَعْدَ فَرَاغِهَا.
بَلْ مَعْنَاهُ: ارْفُضِي الْعَمَلَ فِيهَا وَإِتْمَامَ أَفْعَالِهَا، الَّتِي هِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَتَقْصِيرُ شَعْرِ الرَّأْسِ. فَأَمَرَهَا بِالْإِعْرَاضِ عَنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَأَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ، فَتَصِيرَ قَارِنَةً، وَتَقِفَ بِعَرَفَاتٍ وَتَفْعَلَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ، فَتُؤَخِّرَهُ حَتَّى تَطْهُرَ. وَكَذَلِكَ فَعَلَتْ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ: «وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ». «شرح مسلم» (٨/ ١٣٩).

<<  <   >  >>