للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والراجح: أن الرَّمَل سُنة مُؤكَّدة، ولا شيء على مَنْ تَرَكه، والله أعلم.

المطلب الرابع: هل الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأُول من الحَجَر إلى الحَجَر؟ أم مِنْ الحَجَر إلى الركن اليماني؟

اختَلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: أنه يُسَن الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأُول بأكملها، من الحَجَر الأسود حتى يَعود إليه. وبه قال الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة (١).

واستدلوا بالسُّنة: فعَنْ جَابِرِ ، أَنَّهُ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ» (٢).

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «رَمَلَ رَسُولُ اللهِ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا» (٣).

القول الآخَر: أنه يُسَن الرَّمَل في الأشواط الثلاثة من الحَجَر الأسود حتى الركن اليماني، ثم يَمشي ما بين الركن اليماني والحَجَر الأسود. وبه قال طاوس، وعطاء، والحَسَن، وسعيد بن جُبَيْر، والقاسم، وسالم (٤).

واستدلوا بما ورد عن ابن عباس ، وفيه: «فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلَاثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ».

ونوقش هذا الاستدلال بِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، سَنَةَ سَبْعٍ، قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ فِي أَبْدَانِهِمْ، وَإِنَّمَا رَمَلُوا إِظْهَارًا لِلْقُوَّةِ، وَاحْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا جُلُوسًا فِي الْحِجْرِ، وَكَانُوا لَا يَرَوْنَهُمْ بَيْنَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ، وَيَرَوْنَهُمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ، فَلَمَّا حَجَّ النَّبِيُّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، سَنَةَ عَشْرٍ، رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ، فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهَذَا الْمُتَأَخِّرِ (٥).


(١) «المبسوط» (٤/ ١٠)، و «المُدوَّنة» (٢/ ٢٠٨)، و «المجموع» (٨/ ٤٣)، و «المغني» (٣/ ١٨٤).
(٢) مسلم (١٢٦٣).
(٣) مسلم (١٢٦٢).
(٤) «المغني» (٥/ ٢١٨).
(٥) «شرح النووي» (٩/ ٩) قال في «المجموع»: وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ، سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَهْلُهَا مُشْرِكِينَ حِينَئِذٍ. وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، سَنَةَ عَشْرٍ، فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا، فَيَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِهِ.

<<  <   >  >>