الثاني: أن شعار الحاج منذ إحرامه هو التلبية، وهي لا تَخرج إلا عن إعلان توحيد الله ﷿، وإخلاص العبادة له وحده. فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄، أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ:«لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ … » ولقد شاء الله أن يكون الإهلال بالحج بهذا الشعار ليعلم الحاج نبذ الشرك والأوثان، وإخلاص العبادة للواحد الديان.
الثالث: روي بأن النبي ﷺ في ركعتي الطواف كان يَقرأ سورتي (الكافرون) و (الإخلاص)، فسورة (الكافرون) تُبيِّن البراءة من الشرك وأهله، وسورة (الإخلاص) فيها تقرير للتوحيد (١).
الرابع: أن النبي ﷺ بدأ بالتوحيد عندما صَعِد على الصفا.
ولا يَبدأ أول شوط بالتوحيد فحَسْب، بل يقوله في كل شوط من أشواط السعي.
الخامس: في يوم عرفة الذي فيه قال النبي: «الحَجُّ عَرَفَةُ» فالله يباهي بأهل عرفة الملائكة لتوحيدهم، بقوله:«مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» بحجهم ووقوفهم إلا وجه الله، فروى مسلم عن عائشة: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ- مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟».
السادس: أن الله أَمَر الحُجاج والمعتمرين بإخلاص حجهم وعمرتهم لربهم، بقوله: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦] وفي هذا إشعار بأن تحقيق التوحيد أهم مقاصد الحج.
• المقصد الثاني: تزكية النفس:
من مقاصد الحج تطهير النفس من الأخلاق المذمومة، وتزكيتها للوصول إلى حقيقة التقوى التي هي مَقصِد كل عبادة، قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧].
معنى (الرفث) في الآية شامل لأمرين:
(١) وهذا المعنى في حديث جابر عند مسلم، وهذه الفقرة انتُقدتْ على مسلم، وسيأتي تفصيل ذلك.