للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: ما قاله الشافعي: لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ عَدَمَ اسْتِلَامِهِمَا هَجْرٌ لِلْبَيْتِ، لَكِنَّهُ اسْتَلَمَ مَا اسْتَلَمَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَأَمْسَكَ مَا أَمْسَكَ عَنْهُ.

الثاني: أنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَقَدْ خَالَفَهُمَا فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ اسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ (١).

والذي ينبغي لزوار بيت الله الحرام: تَعَلُّم هَدْي النبي في الحج، وأنه من غير المشروع استلام الركنين الشاميين؛ لأن في هذا إيذاء للطائفين؛ لِما يسببه ذلك من ضيق ومزاحمة لهم.

الحكمة مِنْ ترك استلام الركنين الشاميين.

بَيَّن ابن عمر ، أن النبي تَرَك استلام الركنين الشاميين؛ لأنهما لم يُبنيا على قواعد إبراهيم، ودل على ذلك عموم قول النبي : «يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ» (٢).

قال ابن تيمية: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، فَالرُّكْنَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُمَا بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْجِدَارِ، وَالِاسْتِلَامُ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْأَرْكَانِ، وَإِلَّا لَاسْتَلَمَ جَمِيعَ جِدَارِ الْبَيْتِ فِي الطَّوَافِ (٣).

القسم الثاني من البدع: ما يتعلق بالدعاء: وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: الدعاء الجماعي:

الأصل أن يدعو كل إنسان بنفسه، وهذا ما كان عليه النبي وأصحابه.

وفي الدعاء الجماعي رَفْع للصوت بالدعاء، وهو يخالف هَدْي النبي ، وفيه تشويش وإيذاء للطائفين الذاكرين الله الداعين له، وقد نَهَى الله عن ذلك، فقال تعالى:


(١) «المجموع» (٨/ ٣٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٥٨٦).
(٣) «شرح العمدة» (٢/ ٤٤٦).

<<  <   >  >>